سيدوك ملك الجن

 
سيدوك ملك الجن.. حكي “إبن الأثير” في الحكايات الأولى سنة 457
هجرية، وتحديداً في شهر ربيع الأول، إذ خرج مجموعة من “الأكراد” في رحلة
صيد، وهم في الصحراء شاهدوا من على البُعد خيام سوداء، وأتى من ناحيتها صراخ وعويل
ولطم، فلما بدأوا الإقتراب من تلك الخيام، وجدوا أن تلك الأصوات بدأت تتحول إلى
كلمات “سيدوك ملك الجن مات، وأي حد لن يقوم بالطم والعويل والصراخ عليه، ولا
يقيم له العزاء، سيقلع من أصله، وسيهلك أهله”. 
وبعد وصول الأكراد لمكان الخيام السوداء، لم يجدوا أي شئ، لا خيام، ولا
أصوات، فقط صفير الريح في المكان.

إنتشار الحكاية:

وبعد عدة أيام انتشرت الحكاية الغريبة في مدن العراق، وخورستان، وخورستان
هى منطقة موجودة في عربستان، وفي تلك المدن انتشرت الحكاية كالنار في الهشيم، وعلى
الفور بدأت النساء تخرج للشوارع والأزقة والعطوف، تولول وتصرخ، وتلطم الخدود،
ويحلوا شعورهم، وينشروها على أكتافهم، كل هذا يحدث وهم ذاهبون للمقابر، وفي
المقابر بدأوا يقيمون جلسات لطيم وصراخ وعويل  على “سيدوك” ملك الجن، خابفين أحسن
يحصلهم مكروه، ويحصل لأهلهم مكروه، وليس فقط النساء من خرج، ولكن أيضاً بعض الرجال
فعلوا فعل النساء، وهم متجهين نحو المقابر.

اليوم المشهود:

زفي يوم مشهود لا ينسى في بعض مدن العراق، وخوزستان، وعن هذا اليوم وصفه
“إبن الأثير” بأنه ضحكة عظيمة، أي كان يوم مضحكة عظيمة جداً،

تكرار اليوم المشهود:

والحقيقة أن هذا الأمر تكرر من جديد في أحد الأيام، وكانت أهم مدينة حدث
فيها هذا هى “الموصل” بالعراق، إذ انتشر بين الناس في تلك المدينة، وبعض
مدن العراق، مرض في الحلق، يصاحبه وجع، وهذا المرض أدى لوفاة الكثير من الناس،
وواضح ويبدو أنه كان وباء. وبسبب هذا المرض، إنتشر بين الناس، أن هناك “جنيه”
إسمها “أم عنقود”، وأن إبنها “عنقود” مات، وأن أي حد لن يعمل
لها مأتم، سيصيبه المرض المنتشر، والموت هو نهاية من يصاب به، فبدأ الناس يقيمون
لأم عنقود عزاء.

وبدأت النساء تخرج في الشوارع، وهى تلطم وتصرخ وتغني وتقول “يا ام
عنقود اعذرينا .. مات عنقود ما درينا”.

وأيضاً كان يوم مضحكة، ومشكلة كبيرة، “سيدوك” ملك الجن مات،
والأن “عنقود” إبن “أم عنفود” مات. مصيبة. الناس بتواجهها،
وامتلأت الشوار بالنساء المولولات، اللاطمات للخدود، الصارخات، حاسرات الرؤوس،
وكانوا يمشون في مواكب باتجاه المقابر. مواكب جنائزية كاملة.

قبل وبعد حكاية ابن الأثير:

قبل حكاية “إبن الأثير” العجيبة، والمثيرة، وبعام واحد، وتحديداً
سنة 456 هجرية، كان المجاهدون العظام في “أذربيحان” و”أسيا
الصغرى” يصدون الهجمات البيزنطية والصليبية، ويقتحمون القلاع، ويفتحون المدن،
وكان على رأسهم السلطان العظيم “أرلسلان” الذي كان قد وصل
“أذربيجان” في تلك السنة 456 هجرية، وهناك التقي “أرلسلان”
بقادة الجهاد التاريخيين المسلمين، من كانوا موجودين هناك لهم زمن، واستمر هذا
الجهاد والدفع عن بلاد المسلمين، إلى ما بعد تاريخ حكاية العفاريت التي حكاها لنا “إبن
الأثير”، يثبت لنا فيها أن الجهل والخرافات كان منتشراً، ولم يلتفت له هؤلاء
العظام من المجاهدين، ولم ينتظروا حتى ينفذوا مضمون الأية الكريمة “إن الله
لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، فلو انتظروا هذا التغيير، وانتظروا
حتى يغيروا تلك الخرافات، ما حققوا كل هذا النصر والفتوحات على أعداء الإسلام،
وبلاد المسلمين.

إن الإسلام لا يطالب بأي حال مجتمعاً ملائكياً، فالجهل والخرافات، وعدم
الوعي، كلها منتشره بين عدد كبير من الجماعات، ومنذ فجر التاريخ، وهذا لا يمكن أن
يكون سبباً في التقاعس عن أي تغيير لظلم، أو فساد، إنتظاراً لتغيير وعي الناس،
وإنارة عقولهم.   

  سيدوك ملك الجن.. وإلى اللقاء.                                        

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *