ما هو سر حث الله على الهجرة النبوية؟.. إن السر في ذلك، أن
الإنسان كسول بطبعه، إذا نام، لا يريد أن يستيقظ من نومه، وإذا جلس، لا يريد أن
ينهض من مكانه، وإذا “ولف” على مكان، فإنه “يلبد” فيه، لا
يريد تغييره، حتى لو أن ظروفه غير مواتية، وحتى لو في هذا المكان ظلم واضطهاد،
تجده سلبي، لا يريد تغيير الوضع، فالإنسان بطبعه لا يريد المجازفة، والهجرة من
مكانه.
سبب عدم حب الإنسان للهجرة:
إن هذا في الواقع بسبب “الجبلة الطينية” للإنسان، وهو نوع من
القصور الذاتي، والقصور الذاتي هو صفة من صفات المادة الجامدة، ونحن بحكم تلك
الجبلة الطينية، أي أننا خُلقنا من تراب، ففينا بعض من صفة القصور الذاتي للمواد
الجامدة.
ما هو القصور الذاتي؟
لقد درسنا القصور الذاتي في مادة الفيزياء، وهى تتلخص في أنك إذا ألقيت
“بلية” فلا يمكن أن تتوقف إلا إذا عاقها شئ، وإذا وضعت ذات
“البلية” على منضدة، أو الأرض، أو أي شئ، فمستحيل أن تتحرك من تلقاء
نفسها، بل لابد من قوة ما لتحركها من مكانها. وهذا
هو ما يُسمى بالقصور الذاتي للمادة بسبب الكتلة المادية لها.
ما الذي لا يحبه الله؟
إن الله لا يحب أن يكون الكائن الحي كسولاً، حاصة الإنسان، فكل مخلوقت
الله، قد أودع فيها قوة الحياة، وحب البقاء، وهذا لا يتوافق مع كون أي كائن حي
يركن إلى كسله، فمن يعمر الأرض والكون إذاً؟ فالحياة وحوافزها تعتمد على الحركة
والنشاط، لا على الكسل والدعة والسكينة، ومن أجل هذا فإن الله له أحكام كثيرة من
أجل أن يغالب الإنسان طبعه الكسول، والكثير من الطباع الطينية التي يتسم بها.
فمثلاً لدينا معدة، وبسبب الطبيعة الحيوانية فينا التي تدفعنا لشراهة الأكل، فنجد
الله يحثنا على الصوم، من أجل أن نغالب هذا الطبع. ومثال أخر، رغبتنا في النوم،
فنجد الله يحثنا على الإستيقاظ لصلاة الفجر، وأن نقوم الليل للصلاة، إلا قليلاً.
كذلك الإنسان يظل “لابد” في وطنه ومتشبس بالبقاء فيه، حتى مع وجود ظروف
سيئة، أو ظلم من الحاكم، فلا يريد أن يهاجر، خوفاً من المغامرة والمجهول، ولو
الإنسان لم يفعل وهاجر من مكانه، تجد الله يحاسبه يوم القيامة “ألم تكن أرض
الله واسعة”.
مغالبة الطبع الترابي:
إن مغالبة طبع الإنسان الترابي، هو جزء من تكاليف الله له، فمثلاً
“الشهوة” فبحكم الحيوانية التي لدى الإنسان، تجد الله يحثه على كبح تلك
الشهوة. ومن هنا مغالبة الطبع شئ ضروري لتستقيم حياة الإنسان، ليخرج من طبيعته
الطينية، إلى طبيعة أرقى وأسمى. ومن هنا كان لابد من الأديان.
ومن الممكن أن يكون هذا هو سبب الهجرة في الإسلام، ثم التدوين الهجري كذلك،
فمن المؤكد أن هناك حكمة كامنة في بدء التاريخ الإسلامي من وقت الهجرة، في إشارة
إلى أهمية الهجرة في حياة الإنسان، والإنتقال من مكان إلى مكان أخر، فهنا الرمزية
في الأمر تحث على إرادة التغيير من واقع قد يكون مؤلم، لواقع أخر، قد يكون فيه
الأصلح .
ما هى الهجرة؟
إن الهجرة حياة وفعل إيجابي، لمغالبة نوازع الكسل والإستسلام، وهبة روحية
مضادة للقصور الذاتي المادي للإنسان، فهى ثورة على المألوف، ومن أجل هذا كانت
الهجرة في الإسلام بمثابة نقلة من حال إلى حال، فالإسلام قبل الهخجرة كان إسلاماً كسولاً
سلبياً، وخاضع، ومحارب ضده، ولا يدافع مريديه عن أنفسهم، واستمروا في هذا 13 سنة ،
إلى أن جاءت الهجرة، فتغير الوضع إلى الضد، وبدأ الإسلام يتخد الموقف الإيجابي من
الباطل، والوقوف في وجهه، فإذا حورب ضده يُحارب، وإذا جوبه بالقوة يواجه بالقوة
أكثر، ولذلك نجد من بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة للمدينة، بمثابة الشرارة
التي أشعلت عصر الفتوحات الإسلامية، والجهاد في سبيل الله.
ما معنى الهجرة؟
إن الهجرة ليست معناها أن يأخذ الشخص ملابسه في حقيبة ويمضي، بل هى في
الحقيقة “هَبة روحية” ورفض للخنوع والإستسلام للأمر الواقع، والركون
للطبيعة الطينية الترابية، فهى ثورة حقيقية على القصور الذاتي للإنسان، ومن هنا
كان سر قداسة الهجرة في الإسلام، فقد نص عليها الله في كتابه الكريم، كما أن الله
ذكر لنا عن هجرة الطيور، والأسماك، وغيرها من الكائنات التي تهاجر من مكان لمكان،
وهو نوع من لفت النظر إلى أن موضوع الهجرة هو شئ مهم جداً في حياة كل إنسان من أجل
الثورة على واقعه إن كان مؤلماً، أو يمور بالجور والظلم.
ما هو سر حث الله على الهجرة النبوية؟…. وإلى اللقاء مع مقال جديد.