لماذا كان تمرُد
“السنديلا” على “السندريلا”؟
كانت سعاد حسني ضحية الإنفصال
الاسري والضياع التشتت، حيث كانت تقيم فترة مع أمها في “شبرا” بالقرب من
وسط “القاهرة”، ثم يأخذها والدها “محمدد حسني” لتعيش معه، ولم
ينقذها من هذا التشتتـ والتيه، إلا زواج أمها من السيد “عبد المنعم حافظ”
الذي جعلها تستمر في برنامج “بابا شارو” وكان هو من عرفها على الفنان
“عبد الرحمن الخميسي” والذي قدمها بدوره إلى “عبد الوهاب”
ورشحها لبطولة أول أفلامها “حسن ونعيمه”، مع المطرب “محرم فؤاد”
ويعتبر “الخميسي” هو الذي اكتشف موهبة “سعاد حسني” كممثلة،
فصار من أهم الشخصيات التي أثرت في “السندريلا”، وكان له معزة خاصة في
حياتها.
وقد صرحت سعاد ذات مرة عن هذه المرحلة في
حياتها قائلة:
“طفولتي دورة عذاب كاملة قاسية، بلا ذكريات،
ولا أحلام. تنقل مستمر ومؤلم بين الأب والأم، وأحيانا الأخت، صراع حاد لم أفهم
مدلوله وكنهه بين أبي وأمي، يحاول كل منهما أن يجذبني إلى حضانته، وأنا أريدهما
معا”.
وفي الرابعة عشر من عمرها انتقلت للإقامة مع أختها
المطربة “نجاة” في حي “جاردن سيتي” بالقاهرة، والمطل على نهر
النيل، فتعلقت أختها “نجاة” بها كثيراً، ولم تفارقها حتى أثناء التصوير
والبروفات، أو الحفلات، حيث تعرفت حينها على الراحل “عبد الرحمن
الخمبيب” الذي أحس فيها الموهبة الفذة، وكان يكتب أيامها فيلم “حسن
ونعيمه” وقدمها إلى “هنري بركات” ووافق عليها “عبد
الوهاب” شريكه في الإنتاج. وهكذا كانت البداية.
كانت “فاتن حمامه” هى المرشحة
لبطولة فيلم “حسن ونعيمه” ولكن “هنري بركات” و”عبد
الوهاب” كانا يرغبان في وجه جدبد، وعندما قدمها لهما “عبد الرحمن
الخميسي” وافقا عليها، لتبدأ مشوارها مع السينما، وهى إبنة السبعة عشر ربيعا.
وكان ذلك عام 1959، وهكذا. شقت الأسطورة
الفنية “سعاد حسني” طريقها مع السينما، وقد جسدت جميع أدوار الأنثى بكل
تناقضاتها، فكانت مرة بريئة، ومرة قاتلة، ومرة حبيبة، ومرة زوجة، ومرة بنت هوى،
ومرة طبيبة، ومرة خادمة، ومرة فلاحة. وقد تآلقت في كل هذه الأدوار بشكل غير عادي،
وكأنها تريد أن تعوض الحرمان الذي عاشته في طفولتها بعشقها للفن.
وتقول “سعاد” في أحد اعترافاتها:
“ليس هناك رصيد نفسي من حنان طفولتي، فكان علي أن
أنحت في الزمن، كي أصنع كل هذا، وحتى الأن ما زلت أبحث عن طفولتي المفقودة، أفتش
عنها في ثنايا الفن، وزوايا الزمن”.
و”سعاد حسني”
الفنانة لا تنفصل عن الإنسانة، وربما كان هذا سر تمردها الدائم، وتنوعها في اختيار
أدوارها، خاصة وأن أغلب أصدقائها الذين أثروا فيها، كانوا ينتمون إلى شلة
المثقفين، أمثال “صلاح جاهين” و”يوسف شاهين” و”كمال
الطويل” و”صلاح طاهر”.
وقد اعترفت “سعاد” بسر تمردها
قائلة:
“أنا رحلة تمرد طويلة. لم
يكن هناك وسيلة للتغلب على واقع حياتي غير التمرد. ولم يكن هناك سبيل لتحقيق الذات
في السينما، سوى بالتمرد على شخصية “السندريلا” وهذا كان وسيلتي لتحقيق
درجة من الكمال الفني، ولهذا فأنا أصنع إيقاعاً أسرع في حياتي من أجل سرعة
التغيير”.