مَن يكتُب التاريخ؟


¨ 
على
هامش أزمة إنجازات أي رئيس  في كتاب
التاريخ المدرسي؛ تتفجر أسئلة ليست هامشية حول مناهج التاريخ التي ندرسها؛ وخضوعها
لنظام الحكم القائم ونظرته لنفسه وللآخرين وإنحيازاته وخصوماته.

.. هل أنت
منزعج أن كتاب التاريخ المدرسي كان ما زال يتحدث عن (مبارك) حتى بعد خلعه؟. أم أنك
منزعج فقط أنه كان يتحدث عن إنجازاته دون سلبياته؟. أم لآن ما كان يطرحه الكتاب من
إنجازات فيه قولان.. لأن أغلبها إنجازات من وجهة نظر عين منحازة لـ (مبارك)، وليست
عيناً موضوعية.

.. أياً كان سبب إنزعاجك، لابد أن تعرف أن (مبارك) حكم هذا البلد 30 عاماً؛
لا يليق أن تطالب بإخراجه من التاريخ. لأنك ترتكب جُرماً في حق الأجيال الجديدة؛
حين تسقط من عمر وطنهم ومجتمعهم 30 عاماً. ولا يليق كذلك أن تكون دروس التاريخ بعد
الثورة التي ستتناول عهد (مبارك) كلها هجوماً وانتقاداً حتى ترضى بذلك. لكن ما يجب
أن تتمسك به هو أن تكون هناك معايير واضحة وعلمية في المستقبل لكتابة التاريخ الذي
تدرسه الأجيال. لا ينحاز لوجهات نظر على حساب الأخرى. يعتمد على كثير من الوثائق
وقليل من التحليل؛ دون إسهاب في الرأي.

.. لكن دعك من (مبارك).. فقد صار ماضياً، وكثير من تاريخه مسجل بالصوت
والصورة والشهادات حوله حية، لأنه تاريخ عشناه؛ ولم نسمع عنه؛ لكن تعال لتنظر إلى
التاريخ كمادة دراسية؛ كيف تبقى طوال الوقت مرهونة بنظام الحكم؛ فتفرط في تأييده
وإسباغ الفضائل عليه؛ وعندما يسقط تضطر للتواري خجلاً من إسمه.

هل ستستمر هذه السياسة؛ وكيف ستترجم إن سيطرت الأغلبية الإسلامية سياسياً
على كتب التاريخ في حال تواجدها في أي انتخابات قادمة. هل سيدرس التلاميذ تاريخ
الإخوان المسلمين؛ كما يروونه لأنفسهم وأعضائهم وشبابهم، ويصدر في كتبهم؟ أم كما
يرويه خصومهم؛ أم أن هناك حلاً علمياً مهنياً موضوعياً بين هذا وذاك؟. هل سيُقَدَم
(حسن البنا) للتلاميذ في ثياب القديسين والمصلحين؛ كما تقدم (جمال عبد الناصر)
و(سعد زغلول) و(أنور السادات) ولغرابة (مبارك) دون جوانب سلبية.. وإذا تغيرت
الأغلبية في انتخابات لاحقة. هل سيتراجع كتاب التاريخ المدرسي عن مديحه لرموز
أغلبية سابقة لصالح رموز أغلبية جديدة؟.

.. ماذا ستقول كتب التاريخ المدرسية في ظل أغلبية إسلامية عن المواجهات
المسلحة بين الدولة والجماعات الإسلامية؟. كيف ستصف العمليات التي نفذتها هذه
الجماعات ضد الشرطة والمدنيين ورموز الدولة؟. هل تعتبرها عمليات إرهابية؛ أم
خلافات سياسية كان السلاح فيها هو لغة الحوار؟. هل ستبرئ الجماعات منها وتظهرها
كضحية إضطرت لرفع السلاح أمام الدولة الظالمة كما يعتقدون؟. أم ستقدمها بإعتبارها
إحدى خطايا التفكير وتلومها وتشير لمراجعاتها في هذا الشأن؟!.

.. من يكتب التاريخ؟. هذا هو السؤال الذي لابد أن تفتحه واقعة درس إنجازات
(مبارك)، لأن المؤكد أن من كتب في حينه هذا الدرس (مبارك)؛ بفعل القناعة؛ أو بفعل
نفاق السلطة؟. لكن إذا تركنا تاريخ (عبد الناصر) يكتبه الناصريون؛ وتاريخ
(السادات) يكتبه الساداتيون؛ وتاريخ الإخوان يكتبه الإخوانيون؛ وتاريخ اليسار
يكتبه اليساريون؛ وتاريخ الجماعات الإسلامية يكتبه أمراء الجهاد المسلح. فهل سيكون
بين أيدينا كتاب دراسي للتاريخ يصلح ليتدارسه الأجيال؟.

.. إصلاح مناهج التاريخ في المدارس، وإعادة صياغة المعايير العلمية التي
تقوم عليها. هى بداية للقضاء على جذور النفاق في هذا البلد؛ واستعادة كرامة من هضم
التاريخ حقهم ووضع كل في قدره بنجاحاته وأخطائه على السواء!!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *