إعتاد
“بيرنت” أن يقول لتلاميذه في جامعة “كولومبيا “لا أعتقد أن
بإمكانكم كتابة قصة قصيرة جيدة، دون أن يكون بداخلكم قصة جيدة، وأفضل أن يكون
لديكم شئ تقونه دون بناء فني، على أن يكون لديكم بناء فني، دون شئ تقولونه”.
إذا
افترضنا بأننا نود اجتذاب انتباه القارئ، فالأهمية الأولى بالتأكيد “أن يكون
لدينا شئ نقوله”. وهذا أفل ما ندين له به، فنحن نطلب منه أن يعطينا ساعة من
وقته، وتعاطفه كذلك، فنحن كالممثلين على صفحة بيضاء دون رؤية، أو صوت، والحكم
النهائي متروك له.
وإذا
فشلت قصتنا، أو تمثيلنا، في أن نمتعه، ونشد انتباهه، ويثير بعض العواطف لديه، فإنه
لن يرغب في قراءتنا ثانية.
وهكذا..
فإن المشكلة التي تواجهنا في البداية هى، كيف نعرف أن لدينا قصة تستحق أن تروى؟
وهل يمكننا التأكد أن القصة، أو الشخصيةأو الحادثة، أو الحالة التي لدينا، لها
الوزن والمعنى الكافي لتستحق أن تسرد؟.
لسوء
الحظ، لا يمكن التأكد من ذلك تماما، لكن يمكن القول بأنه باستيعاب تجاربنا،
وملاحظة أنفسنا، وأقراننا من البشر، ثم إدراك حاجتنا لتوصيل ذلك إلى القارئ، من
خلال القصة القصيرة، واعتنائنا الكافي باللغة، بحيث تكون كل كلمة مقنعة في موقعها،
حتى قبل أن نضعها على الورق. بمعرفتنا لكل هذه الأشياء، قد نصل إلى درجة معينة من
الإقتناع بموضوع قصتنا.
قد
يبدو ذلك سهلاً، لكنه بالتأكيد ليس كذلك.
فالكاتب
الجاد، لابد أن يتكلم بصوته الخاص، لا بتقليد أخر سبقه، ولابد أن يعمل لإبداع صورة
لرؤيته الفريدة، بحيث تبدو كلماته على الصفحة نضرة كالطفل الوليد.
وهذا
لا يعني أن تكون الفكرة، وبالتالي الحبكة، والأحداث وخلفياتها، جدبدة نماما،
فالطبيعة البشرية لم تتغير كثيراً عبر القرون، لكن تجربة كل فرد في الوجود، فريدة
في حد ذاتها، والقصة القصيرة الجيدة، لابد أن تبدو وكأنها تخبرنا بشئ طازج له
معنى. دون استعارة ملابس كاتب أخر، أو
ارتداء ما اشتراه شخص أخر.
ماذا
قال “تولستوي” عن كيف تكون كاتباً جيداً؟
كان
كاتب قصص الخيال العلمي الشهير “زاد براد بري” مثبراً للإهتمام بدرجة
كبيرة، وهو يتحدث عن حرفته وتكوين قصصه، وأسرار صنعته، وكيقية حصولة على الأفكار
التي يمتلئ بها ذهنه، التي لا تقل استفزازاً عن القصص التي يكتبها، يقول “حين
أنظر إلى قائمة القصص القصيرة التي نشرتها، أستطيع تقريباً، وبلا استثناء، أن ألخص
الحادثة التي كانت وراء كل قصة كتبتها،”.. كنت مثل معظم الكتاب المغاصرين في
شبابهم، فقد كانت المكتبة العامة في أفضل مكان يذهبون إليه، لكن مع “براد
بري” الأمر محتلفاً، فهو لم يكتف بقراءة واستيعاب العمالقة في قصصهم، بل
“كنت أطوف بين الكتب، ألتقطها عن الرفوف أو أقرأ سطراً من هنا، وفقرة من
هناك، أقتطف، ألتهم، أتحرك، وغالباً ما كنت أغير النهايات التي كتبها الآخرون لقصصهم،
لالشي ما يدور في ذهني”.. وحين بدأ يكتب أسمى طريقته تلك “الكر والفر
والتدريب على القصة القصيرة”، وكان ينفعل جداً بما يكتبه.
يتضح
في قصص “براد بري” الخيال الصادق الساحر الذي يقيم علاقات غريبة ومذهلة
بين الصور والأحداث العادية، أنظر إلى قصته “الوحش ذو الأربعين قامة”
وكيف واتته فكرتها، يقول: إنه كان ينظر من نافذة غرفة نومه ذات ليلة، فرأى على
البعد الهيكل العام لقطار من قطارات مدينة الملاهي، وفي غبشة المساء، بدا الشكل
مرعباً وشرير، حتى أنه ظن لوهلة، أنه شئ آخر، شئ حي وخطير، فأوحى له ذلك بقصته عن
عامل القطار الذي يشاهد عنف حب وحش البحر.
ولقد
كان “تولستوي” هو الذي قال “إن الكاتب الجيد هو الذي يستطيع أن
يكتب قصة كاملة من شجار عابر رأه في الشارع، أو ظل الكاتب متيقظاً لنزوات خياله،
فإنه بمجرد أن يشاهد فوضى الشجار، يمكنه أن يذهب لكتابة قصته، دون أن يمكث حتى النهاية،
وإذا قرر بينه وبين نفسه كيف ستكون نتيجة قصته، فإن ذلك قد يحث خياله لإبداع بدائل
أخرى أثناء الكتابة، يختار منها الممتع، والأكثر إمتاعاً”.