لم تعُد الحرب مُجرد جنون، وعذابات للفقد والتيه والآلم، بل جبال من الحزن والقلق والخوف والترقب، وركامات ظلمة تتشظى في انتظار فجرٍ جديد، قد لا يجئ أبداً.
كان fحر العيد شاسعاً ومُمتداً، وكان بُستان بيت أبي وزهور شرفتي وبغبغائي وقصص وأشعار وروايات مكتبتي، وحملي لهاتفي، هُم سلوتي ومبرري للبقاء على قيد الحياة حتى الأن، وفي يوم عيد زواجي، بدت الشمس مُشرقة على غير عادتها في هذا الوقت من العام، والنسيم عليلاً، قادماً من الشمال، ضعيفاً ومُحملاً بعبق بحر العيد الفتان الذي يدغدغ حواسي، وحواس بغبغائي كوكي الذي يصدر صفافيره من قفصه كلما رأني، والصبيَّة تحت البناية يحتشدون استعداداً تحت أشجار الزيزفون “سوف تعلو أصواتهم، وتخترق أذناي بعد قليل”، فرُحت أغلق زجاج الشرفة وأدخل، ثم أخذت أدوات الغزل، ووضعتها بين أصابعي، وبدأت الغزل، وحالما تناهي إلى سمعي أصوات الصبيَّة، ثمة ضوء لاح في داخلي، يهدي إلى الطريق، ويضع المحاذير في الوقت نفسه، ولكنه ضوءً مًربك، يحركني نحو الأحلام، والتفكير الكثير في الحزن المبهم الذي سيطر عليّ عند منتصف ليلة أمس، لما تركت نفسي نهباً للدموع، ورأسي على وسادتي الباردة ككل ليلة، حينها بدأت أشعر بموقعي في هذا الكون الذي أحيا فيه، كأنثى لم تنجب البنين والبنات، وبدأت أدرك في داخلي، العلاقة بيني وبين زوجي، حتى تحول ذلك الإدراك إلى عبءٍ ثقيل الوطأة،، أكثر مما تحتمله روحي المُعذبة بالهواجس والأفكار المشوشة. ولكن. ربما هكذا تكون بدايات الإحساس بالعالم غامضة ومعقدة ومُربكة، كرسمة سريالية من الفن التشكيلي غير المفهوم. القليل من نجا حين داهمتهم لحظة الكشف والإدراك تلك. أرواح كُثر تلاشت في غمرة الإضطراب والتيه هذه.