تخلع كل ثيابها؛ تركنها على ظهر
المقعد؛ تنزلق في الفراش؛ تشد فوقها ملاءة السرير؛ تمتلئ عيناي بالمشهد؛ هى ثوان؛
عدسة كاميرا تنفتح؛ ثم تنغلق؛ البنت لا تتعدى العشرين من عمرها؛ الجسم بكر؛
أفعواني؛ ممشوق؛ عدواني؛ والثديان متكوران؛ متوتبان كحمامتين بيضاوتين يتأهبا
للطيران.
كنا قد فرغنا من العشاء؛
ومراسم الإنسجام؛ ورفع الكلفة؛ وبقايا لحم مشوي في ورقة؛ وبيرة في كوبين زجاجيين؛
وزجاجتين فارغتين؛ وبقايا بانجو؛ وعلبة تبغ؛ ودفتر بفرة؛ وعلبة معسل زغلولي؛ وشيشة
هامدة.
لا أدري إن كان بوسعي أن
أبتسم؛ أم أضحك؛ أصعد بخفة إلى جوارها؛ لكنها تنزاح فجأة؛ تقول بفزع: لا؛ أرجوك؛
إبعد.
ولعلها أحست بأن رفضها كان
جافاً؛ فتضيف: من فضلك؛ أرجوك.
أتسمر في مكاني؛ يلفني ارتباك
غير متوقع؛ وتغص نفسي بمشاعر متداخلة؛ متناقضة؛ تضرب في مخي كلمة إبعد؛ ماذا تقصد؟
هى تعرف أني أعزب؛ وأقيم وحدي؛ وأنا عندها مجرد زبون؛ يعرف أنها بنت ليل؛ التقطتها
من النادي؛ وهذا عملها؛ وإن لم تكن لديها رغبة؛ أو لديها مانع؛ فلماذا حضرت؟ ثم
لماذا خلعت ملابسها كلها؟ وما معنى أن تكون عارية في سريري؛ وترفض؟ ثم هى منذ
لحظات كانت تدخن وتضحك وتشرب؛ وتساهم بحماس وأنوثة في اختصار وقت الصعود إلى
السرير.
أكاد أجن؛ وأشعر بأن كرامتي
جرحت؛ وداخلني بعض نوازع عدوانية؛ لكني أدرك الآن أني في موقف يحتاج إلى تأن؛
فأقول ببرود: على كيفك.
وأغادر السرير؛ وأخاف أن
يفضحني وجهي؛ فأتحاشى أن تتقابل نظراتي بعينيها.
أدخن لفافة بانجو؛ وبعدها
أغادر الغرفة؛ قاصداً شرفة مطلة على شارع واسع؛ مبرقش ببعض نطف خضرة؛ وبعض مارة
وعربات؛ وفي الشرفة؛ أستطيع أن أفكر أفضل؛ وأعيد تقدير الموقف.
يلوح لي الموقف بدون حل.
أسحب مزيداً من أنفاس لفافتي؛
وللحق؛ ليس من عادتي أن أسئ إلى أية إمرأة؛ أو فتاة؛ كما وأنه ليس من عادتي أن
أتقبل إهانة أية إمرأة؛ أو فتاة كدلك؛ وفي هذه المرة؛ الإهانة ثقيلة؛ جارحة؛ أو
هكذا يخيل إليّ.
الظلام في الشارع يخيم؛ ولا
يزال الجو صيفي؛ ساخن.
أغادر الشقة؛ وأغلق الباب
من الخارج بالمفتاح؛ ضجة طريق خافتة؛ أحس ببعض راحة؛ أمشي على غير هَدي؛ ورويداً
رويداً تتخلص نفسي من إثارة جنسية؛ وإن ظلت بها إثارة أخرى؛ أفكر: يجب أن أتصرف؛
أن أرد كرامتي باتخاذ موقف ما؛ أصالح به رجولتي.
الساعة لا تتعدى منتصف
الليل؛ شارع الهرم لا يزال كعادته مستيقظاً؛ أضواء محلات؛ ونيون يفط كباريهات؛
وزحمة سيارات؛ وناس؛ وأضواء مسرح.
تقودني قدماي إلى شارع
جانبي؛ أتصل بالموبايل على صديقي سامح: فاضي.
-خير؟.
-أنا
واقف تحت البيت؛ ممكن تنزل؟.
يصمت برهة؛ ثم يستجيب.
نمضي أنا وصديقي نتسكع في
شوارع جانبية؛ هادئة؛ شبه مظلمة؛ لا نسمع إلا وقع أقدامنا.
أناول سامح لفافة؛ يشعلها
من ولاعة ذهبية؛ وبغضب حقيقي: بنت الإيه؛ ما شكلها؟.
-إنها سوسن.
-سوسن؟.
-نعم.
بابتسامة جانبيه؛ وهو ينفث
دخان سيجارته: لا؛ عرفت تحتار. موزه بجد؛ لكن..
-لكن ماذا؟.
-إياك والعرفي.
-عرفي.
-الموضه.
-موضه؟.
-شكلك عبيط.
-عبيط؟.
-يا ابني افهم؛ سوسن بالذات
ممكن ترسم معاك على ورقه عرفي.
كالملسوع من لدغة عقرب: لا؛
لا؛ لن يخرج الأمر عن رغبتها في زيادة المعلوم ليس إلا؛ قال عرفي قال.
ثم: هيا نلعب دورين في
السَّايبر.
لا أفتح مع سامح موضوع
الفتاة مرة أخرى؛ ومع أن سامح حريفا مشهوراً في اللعب؛ ونادراً ما أغلبه؛ إلا أني
أستطيع أن أغلبه هذه المرة.
أعود إلى الشقة؛ الساعة
تقترب من الثانية بعد منتصف الليل؛ أدير مفتاح الشقة بهدوء؛ أدخل الصالة محاذراً
أن يصدر عني أي صوت.
النور لا يزال مضاءاً في
غرفة النوم؛ والفتاة نائمة تملأ السرير؛ وجسدها الممتد تحت الملاءة مغرياً؛ بارز
التقاسيم.
ألاحظ أن ملابس سوسن
الداخلية قد اختفت؛ لا وجود إلا لحقيبتها؛ وبنطالها الجنز؛ والتي شيرت القصير على
ظهر المقعد؛ وحذاء خفيف كاوتشي تحته.
تفتح الفتاة عينيها ببطء؛
في وهج النور؛ وتشد طرف الملاءة على صدرها: إنت خرجت؟.
أجيب باقتضاب: سوف أنام في
الصالة؛ إن صحوتي باكر؛ وأردت الذهاب؛ ستجدين مبلغ من المال على مائدة الصالة؛
ولفافة بانجو.
أربعة أرغفة فينو ساخنة تحت إبطي؛ وأنا أركب الأسانسير؛ لم أشتر بيره
وكباباً هذه المرة؛ بل أكتفي بجبنة رومي وزيتون وربع كيلو بسطرمه.
ستحضر سوسن الليلة.
أعود مبكراً من النادي؛ أخذ
حمامي البارد؛ ألبس ترنج حريري؛ أسبسب شعر رأسي؛ وأرش نفسي ببخاخة بارفان؛ أجلس أمام
الإنترنت؛ أقلب بين مواقع السكس؛ أراعي أن يكون الصوت منخفضاً إلى أقصى حد؛ قليلاً؛
ثم يتعالى جرس الباب؛ أصلح هندامي؛ وأمضي بخطوات رشيقة؛ أفتح الباب.
أطفئ الكومبيوتر؛ أخذ سوسن
مباشرة إلى غرفة النوم؛ تخلع حذائها وملابسها؛ ثم ترتمي على السرير؛ جسدها جامحاً؛
طائشاً؛ لا يهمد؛ وعند الفجر؛ نتداعي محطمين؛ مهشمين؛ قاربان تمزقا في نوبات
متلاحقة؛ وفي الصباح؛ لا أغادر إلى النادي؛ بل أبقى في الفراش؛ أغط والفتاة في سابع
نومه.
أصحو والفتاة من النوم؛ وقت
ارتفاع أذان الظهر. ألاحظ على المقعد ردائها الأسود؛ بنطلون أسود؛ وتي شيرت أسود؛
وحقيبة سوداء؛ فأسألها: لونك حزايني يا قمر؟.
بخجل: ما رأيك؟.
-جميل؛ لكن حزين.
تطرق برأسها؛ كأنها تتذكر
شيئاً مؤلماً؛ تود أن تنساه؛ ثم بصوت نحيل: أصل أخي؛ تعيش إنت؛ وذكراه اليوم.
-ألم تقولي لي بأنكم ثلاث
بنات فقط؟.
-نعم؛ لكن كان لي أخ غرق في
مركب إلى اليونان؛ يحلم ببلاد اللبن والعسل؛ وبعده توفي والدي حزناً على غرقه؛
وعلى مال قطعة الأرض التي ورثها عن أبيه؛ وباعها من أجل سفر أخي؛ وشلت أمي؛ فصار
الحِمل من نصيبي.
تمسح دمعه فرت من عينيها
الواسعتين؛ الكحيلتين؛ ثم: تركت الجامعه؛ وبدأت البحث عن عمل؛ أتعرف ماذا حدث؟.
بلا مبالاة: إحكي؟.
-وجدت عمل في محل كبير لبيع الهدايا؛ صاحب المحل عمل
لي مرتباً؛ ما كنت أحلم به؛ فرحت جداً؛ لكن صاحب المحل كان كل فترة يضايقني؛ ويلصق
جسده بي وراء فاترينة العرض؛ سببته؛ تشاجرت معه؛ مكثت في البيت؛ أتى وأخذني؛ أصله
قريب أمي من بعيد؛ لم أستطع أن أقول لا؛ أمي علاجها وحده بالشئ الفلاني؛ وبدأت
أتغاضى عن أفعاله الصغيرة؛ وبدأ هو يتجرأ؛ ثم وجدت نفسي مبسوطه في كل مرة يسحبني
فيها إلى مخزن المحل؛ ووقتها كنت مخطوبه لجاري؛ فككت الخطبه بحجة طول المدة؛ وصاحب
المحل لم يكن بمقدوره الزواج مني؛ ولم يكن بمقدوري البوح بسري لأحد؛ ثم أن الرجل
عجوز؛ ومتزوج؛ وله من الأولاد نصف دستة؛ واتعرفت على ماجده؛ عملت لي اشتراك في
النادي؛ وأخذتني عند واحد والثاني؛ إلى أن أتيت عندك؛ ولا يدري أحد من أخوتي أو
أمي أني امرأة.
أعاجلها: بسيطة.
-بسيطة؟.
-غشاء صيني. ويا دار ما
دخلك شر.
فجأة؛ تبتعد؛ تسحب جسدها
كالملسوعة؛ وتظل فترة مصعوقة؛ منبهرة؛ ثم تدفن وجهها بين كفيها؛ وتجهش في بكاء
عصبي؛ متهدج؛ وبعد محاولة تهدئتها؛ تنسحب من تحت الملاءة؛ يطقطق السرير؛ تنزل منه؛
ترتدي ملابسها؛ تنصرف مسرعة إلى الخارج؛ وأنا أشيعها بنظرات مدهوشة؛ لاهية؛ قبل أن
أشعل لفافة بانجو جديدة.