أيها
القمير : ما هذا الزهو والخُيلاء، وما ذلك
العجب والكبرياء، وماذا تركت لذُكاء ؟
أنسيت أنك ذرة صغيرة تسبح فى هذا الفضاء الواسع، بين تلك المجموعة الشمسية الفخمة،
التى أجلسنى الله على عرشها، وعقد لى تاجها، لا، بل أنت تابع لا يُحفَل به، ولا
يُؤبَه له، تدور غير مختار، حول سيار من كواكبى، لا تخالف إشارته، ولا تعصى أمره، لا
يداخلك الغرور، أن ضربت بك الأمثال، فى الحسن والجمال، ولا يساورك المرح بنضارة
جبينك، ووضاءة محياك، فهو جمال مكتسب، وحسن معار، فلست إلا كوكباً مُعتَماً،
مُقفراً من العُمران، موحشاً من السُّكان. ولولا قبس من ضيائى، أرسله إليك، وشعاع
من نورى، ألقيه عليك، ما تطالَّت إليك
الأعناق، ولا إرتفعت الأحداق. وإذا نظرت إلى أصلك، وفكرت فى بدء أمرك، علمت أنك
شظية حقيرة، إنفصلت من الأرض فى أثناء دورانها، فلم تحدث فراغا، ولم تترك أثرا،
كما تنفصل حبة الرمل، من الطود الأشم، ونقطة الماء من البحر الخِضَمَّ والأرض
وأخواتها السيارات – كما تعلم – أفلاذ
أكبادى، وثمرات فؤادى، فأنا منشأ الكواكب، وأم الأرض، وجدة القمر، الشمس
السراج الوهاج، والمصباح المنير، أميرة الفلك، ومضيئة الحلك، تغض لجلالى الأبصار،
وتعنو لبهائى، الكواكب والأقمار، ويذعن لأمرى الليل والنهار. لولاى ما إنبثق
الصباح وأسفر، ولا أشرق كوكب وظهر، ولاعرف الأصيل الأنور، والشفق الأحمر. ماذا
يكون حالك، لو حرمتك فيض نعمتى، وحبست عنك أشعتى ؟ ألم تجرب ذلك حينما تعترض الأرض
بينى وبينك لحظة من اللحظات، فتظلم صفحتك، وتذهب بهجتك، فإذا أنت قرص أسود لا
رُواء ولا بهاء. ألا تعلم أنى مبعث الضوء، ومصدر الحرارة قوام الحياة، وملاك العيش،
ولولاهما ما بقى إنسان ولا حيوان، ولا نجم نبات، ولا تفتح زهر، ولا زها ثمر. أرسل
الدفء إلى الأبدان، وأجفف الرطوبة، وأبيد الجراثيم، وأحارب الأمراض التى تخرب
البلاد، وتفتك بالعباد. حتى لقد تقرر فى الأذهان، أن البيت الذى تدخله الشمس، لا
يدخله الطبيب.
ولو
حُجِبت ساعة من نهار، لغرق الكون فى السواد، ولبس ثياب الحداد. ولا تنس أنى أصل
الرياح المسخَّرة بين السماء والأرض، تلقِّح النبات، وتسير بها الجوارى المنشئَات
فى البحر كالأعلام، وأرسل أشعتى الحارة تقبل صفحة الماء، فيبخَر ماؤها، وينعِقد فى
الجوّسحاباً، يسقط أمطاراً، أو يجرى أنهاراً، ×تُخصب الأرض فتُخرج نباتاً وحبًّا، وحدائق
غُلْباً، وفاكهة وأباً أيها ذا المُعجَب
بنفسه : إن الكواكب على إختلاف أبعادها، وتباين مطالعها، تبدو ثم تغيب، وهى زاهية
الصفحة، باهرة الضوء، وأما أنت فتبدو نِضْواً نحيلا، كسوار مفصوم بل قلامة ظفر،
فلا يزال يربو قرصك، وينمو نورك، حتى إذا اتَّسَقْت وبهرت، إعتراك الحَوْر بعد
الكوْر، فإذا أنت كالعُرجون القديم، ثم لا
تلبث أن يحتويك السَّرار فلا منظر ولا
مخبر، ولا عينَ ولا أثر، أما والذى جعلنى
زينة السماء، ومصدر الضياء، لئن لم تلزم حدَّك، وتعرف دورك، لأقطعن حبل الجاذبية
بينى وبينك، فإذا أنت هاوً فى الفضاء، بعد السَّنا والسَّناء.