تحدث
السائق عن طرق زراعية عمل عليها في الوجه البحري، وأن العمل عليها متعة، بالمقارنه
بما عليه في سيناء، أسفلتها حرير طبيعي، وقرب إحدى القرى، كثيراً ما ركن في مقهي
إمرأة بيضاء، حلوة كالشهد، سمينة كالزبدة، عشرة قروش وينال منها ما يريد، إذ تراه
هو بالذات يخطف قلبها، لا تداري فرحتها، لآنه يريها ما لا يقدر عليه الآخرون، يفضل
ليلته الأولى معها، مبحراً في محيطات لم يطأها إنس ولا جان، يرقب الألم الأول
اللذيذ، رعشة عينيها الواسعتين الكحيلتين، حلاوة آهاتها، طلاوة الرعشة، كرتا
الملبن الأملسين، رقتها، قسوتها، خوفها، نشوتها، تقمصها دور المغتصبة، فتطلب منه
أن يقيدها، وأن يضربها بدون قسوة، يجبرها أن تُقبل عضوه، هي تكره تقبيله لسبب لم
يعرفه، لكنه يرغمها، فتنهال عليه التهاماً، وبعدها يذهبا معاً إلى المقهى، يتبادلا
الأحاديث الإعتيادية، دون أي تلميح إلي ما كان بينهما منذ لحظات، فلا يحب هو وهى
تداخل الأزمنة والأحداث، فلكُل مقام مقال كما قال أهل الحكمة والنفاق، ومع ذلك، من
هى تلك المرأة ضمن اللواتي عرفهن وقابلهن في كُل بلد؟.
أستعيذ
بالله من شيطان هذا الجن المصوَّر الفاجر الداعر الثرثار العجوز، في الوقت الذي
يشير فيه إلى جانب، فأنشد مشدوهاً إلى جهة اليسار، أمط عنقي إلى أعلى، أغمغم
(يا خالق الحَب والنوى، ما هذه القلعة الهائلة الممتدة التي تكاد تلامس السُّحب،
ولا يمكن الوصول إليها بلا أجنحة؟. ولماذا تعتلي قمة جبل شاهق، يبدو كعلم أسطوري
من أعلام الكون؟. ما قصتها؟. ولماذا تبدو كقطعة قضت من صخر، تتمنع على من يريد الإستيلاء
عليها؟. لماذا تبدو كجمال أسطوري لا تكفي حياة واحدة لإدراكه، وسبر غوره؟. ولماذا
تبدو كصخرة هائلة الحجم، قائمة بذاتها، مكتملة، ترتكز على قمة الجبل؟. ولكن، كيف
ترتكز؟. كيف تبدو ثابتة؟. كيف لم تسقطها الريح والسيول؟. وهل تزحزحها ذات يوم
العاصفة، ثم عاصفة أخرى تهوي بها، فتحدث دوياً مندفعة إلى القاع؟. أم تبقى في مكانها
رغم كل شئ، لآن الله يريدها هكذا، عجيبة من عجائب الدنيا).
من أجواء روايتي “الأنياب الباردة” الصادرة عن دار نشر “ديوان العرب” عام 2024