كنت أنظر إلى نهديه
من شرفة بيتنا المطلة على البستان وخلف زاوية الصلاة وغرفة نعمان القائم على رعاية
بستاننا، إضافة إلى حراستة هو وكلبه لولي مخزن مواد البناء الملاصق لسياج زاوية الصلاة
الحجري. وكانت نهديه أول من يركض من الجيران إلى ملجأ المنشر، وفي ذيل جلبابها زوجها..
يحدث ذلك فور سماعهم لأصوات الإطلاقات، ونهديه تحمل بيدها الشموع، وعلى صدرها بثينه،
ثم تفرد فرشة بركن من الملجأ، تجلس عليها بجوار زوجها، واضعة عليها حرام، وعلى حجرها
قطتها.
كانت تجلس في الزروب جارتنا أم سعاد، وأولادها
“سعاد ورابح وجمال”.. وزوجها علي، وهى تتمتم بآيات القرآن الكريم، وتدعو
برفع بصرها وكفيها إلى سقف الملجأ، وصفرة الرعب تعلو ملامحها، وملامح زوجها وأولادها.
كان كل واحد من
رواد ملجأ المنشر يجلس في هدوء النساك بمكان ما، وكأنه بيته. وكل مرة كانت أم وفيق
المقيمة أمام بيتنا في منزل من دور واحد، تنادي بخوف وفزع على ابنتها فجر وإبنها حسن
وإبنها وفيق “فوتوا لجوا ما توقفوا على الباب”.
كان ملجأ المنشر
بالنسبة لنا الأمن من غائلة الحرب، نضوي في جنباته الشموع ونركن بهدوء، ونقترب من بعضنا
البعض نحن البنات. ومرة صرخت فجر إبنة أم وفيق، فانتفضت قائلة: ليه بتصرخي يا فجر؟.
فأجابت: في شي مر من هون بلمح البصر؟. فعقب أبيها بغضب بدا من صوته العالي وتقطيبة
حاجبيه الكثيفين: شو يا بنت؟. قرصك عقرب؟. في الظلام لمحتيه يا بنت؟. يمكن فار، هو
ده وقتُه.
وأرجعت أنا سبب
انفعال أبو وفيق، أنه كان في حالة تركيز، وهو يستمع الى نشره الاخبار مع أبي، وزوج
نهديه، وزوج ام سعاد، وزوج ام فوزي. وبعد تربُص أمسك حسن خشبه كبيره وقتل بها الفأر.
ثم أخذ ينظر نحو اخته فجر… وصار يرمقها بابتسامه بلهاء ليهدأها.