في جراب الحاوي العجيب؛ يفزعني كم القضبان الباردة؛ السقوف المعلقة؛
الأبواب الموصده؛ كاميرات المراقبة؛ أسيطة السجان؛ فلول الجرذان؛ العار النابت في
الجدران؛ شروخ الحروف في معاجم البيان؛ صيحات الجبارين؛ عسس البصاصين؛ أحلام المهد
المؤودة؛ إنسلاخات الروح المسمومة؛ لطع القهر.
في الركن القصي؛ ألمحه مع ظله المكوم؛ فرشته الرثة؛ نحول عوده الذابل؛
كسرته الطرية؛ هجرته عنوة من ساحات معاركة القديمة؛ وسادته الممصوصة بقهر الليالي
المظلمة.
أقترب منه بلهفة الغريق إلى ضمة شطوطه.
يلقي نحوي نظرة مدمجة بالقنوط؛ ثم يعود محلقاً من جديد في سماء صمته
المريب.
ألح عليه بلا كلل: حاول ان تكسِر جدار شرنقتك؛ أن تنفض عن ذاتك الكليلة
ركامات اليأس؛ إنكساره القنوط؛ إعتقادك الزائف بديمومة شمس المرحلة؛ لا تصمت؛
فالصمت لن يحيي عظاماً مكسورة بالسيطان؛ والدمع وإن كان شقي في عيون الأحزان؛ لن
يقدر أن يهدم أبواباً مصنوعة من صوان؛ فهيا يا رجل عاود امتطاء صهوة جوادك الجامح؛
لعل الشمس تشرق؛ وتغرد البلابل من جديد.
لحظة رائعة تلك التي ينتفض فيها كطائر الرخ الأسطوري في الحواديت القديمة؛
يذكر جملته الأثيرة من مقالته الأخيرة: لم يعد في هذا العالم من زغب الطهر؛ غير
أسراب الحمام المهاجر بين الشطوط؛ بلا جوازات
سفر مغبشة بالأختام الداكنة.
وكلي أمل في ديمومة الحوار: ولكن ما هى التهمة هذه المرة؟.
يعتدل في جلسته الخشنة: محاضراتي في كشف فصول المؤامرة.
تمر سحابة صمت قصيرة؛ ثم يردف: وأنت؟.
بابتسامة موتورة؛ وبلهجة مكسورة: مراسلاتي لجريدتي؛ عما يدور من مجازر.
يرين الصمت بيني وبينه؛ يتأوه باب الزنزانة؛ كهف الموت يتثاءب؛ تدق الأحذية
في الممرات بعنف؛ تدق جدار القلب؛ لعلهم قد أدركوا الخطأ؛ فنرى النور في الصباح.
تقترب الأقدام. يقترب هدير الأحذية؛ يقترب أكثر وأكثر الجندي المدجج
بالسلاح؛ وفي هذه المرة؛ لا أثر لصاحبي؛ وتحت وسادته المغبرة بالصدأ والثقوب؛ أعثر
على قصاصة ورقية بالية؛ مثقوبة على شكل هرمي بفتحات منمنمة من لسع أعقاب سجائرة؛
أحاول فك طلسمها؛ فلا افلح سوي مع كلمتين اثنتين شاحبتين: الموت للطغاة.