يصدح النداء الآمر الأخير؛ يرج عرش بهو القاعة الفسيحة للقصر الكبير: يا
مسرور.
-أمر سيدي.
-عليك بها.
-سمعاً وطاعة يا
سيدي.
كعفريت القمقم المسحور؛ المصفد بأغلال الطاعة العمياء؛ لا يملك سوى تلبية
النداء؛ بزل قرابين الولاء لأمر سيده؛ سيد القصور البهية؛ سلطان مجون الليالي الحمراء.
لم تعد وفقط لذته الكبرى لهط أكياس دنانير الذهب والفضة؛ سخاء سيده له عقب
كل عملية؛ بل ديمومة مهمته الدموية فجر كل ليلة؛ تشمم الدماء المسفوحة؛ المستباحة؛
والمسفوكة على نصل الرغبة الشبقة؛ المسكونة بتأوهات الرعب؛ عويل البكاء؛ توسلات
الرجاء: لا يا مسرور
-ولم لا يا حلوه؟.
-قل لسيدك يرحمني.
-لا.. يا حلوه.
-أه يا عبد الشوم؛ أرى فيك
يوم.
يقهقه: يوم؟ وأنَّا لك
هذا.. يا حلوه؟.
بين المحكي والمسكوت؛ المنظور والمستور؛ ما كان له أن يصدق أعلم العرافين؛
أعتى المفسرين؛ أن اليوم قد جاء الذي يقف فيه زنهاراً ألف ليلة وليلة على عتبة باب
سيده؛ إنتظاراً لرنة نداء؛ عويل بكاء؛ توسلات رجاء؛ محو سِحر حَكَايا شهرزاد؛ التي
لا ينضب لها معين؛ ولا يخبو لها آوار؛ ولا يصمت لها ديك؛ يعلن عن مقدم نهار.
يظنها أميرة من أمراء الجان؛ عرافة معجونة بحكمة الكبار؛ طائر مسحور حطَّ
القرار.
يطلق بخوره؛ ينذر نذورة؛ يرتل تعاويذه؛ يستدعي تفاسيره؛ يدمى عيونه؛ يدمن
جلوسه على عتبة باب صدئ؛ لقصر خَرِبْ؛ بلا نداء؛ بلا عويل؛ بلا رجاء.