كانت هناك حورية بحر صغيرة،
تسكن فى كهف صخرى على عمق سحيق من مياه البحر، وكانت تملك كنزاً، جمعته من السفن
الغارقة، يضم علب مجوهرات وأوانى فضية وأكواباً وأطباقاً من زجاج الكريستال الثمين،
وفى كل يوم تدهب إلى مخبأها، لتتفرج على ما فى
الكنز من قطع جميلة متنوعة…
وكان لحورية البحر صديق
يساعدها كل يوم فى اضافة أشياء جديدة إلى كنزها الثمين، وهو طائر النورس الأبيض،
الجميل، وفى أحد الأيام، وبينما كانت حورية البحر تطفو على سطح البحر، رأت طائر
النورس قادماً من بعيد، وهو يبتسم ابتسامة واسعة، وبين مخالبه شيئاً ما، فبادرته
الحورية بانفعال: مرحباً يا صديقى النورس، مادا أحضرت لى؟. ¢
يهبط الطائر على الشط
بالقرب منها، وهو يصيح: مرحباً بك، لقد أحضرت لك اليوم أغرب عشبة بحرية رأيتها فى
حياتى، وأريد منك أن تحتفظى بها.
تمسك الحورية بالعشبة، ثم
تصيح بفرح: ياه، إنها عشبة بأربعة أوراق كاملة.
بقول طائر النورس: نعم،
إنها عشبة عجيبة، ولكن، مادا يعنى يا ترى، أن تكون على هدا الشكل الغريب، العجيب؟.
تقول الحورية الصغيرة وهى
تضحك مازحة: ألا تعرف أنها تجلب الحظ أيها المغفل؟.
ثم تضيف: لقد سمعت من بعض
الناس، أن من يحتفظ بعشبة مثلها ويعتنى بها، يكون الحظ إلى جانبه مدى الحياة.
يبتسم النورس وينفش ريشه، ثم
يقول: فى هده الحال، عليك أن تريها لصديقيك: السمكة والأخطبوط (*).
تضحك الحورية وتقول: سأفعل
دلك بالتأكيد.
تنزلق الحورية الصغيرة فى
الماء بسرعة البرق، باحثة عن صديقيها المفضلين، وفى الحال، تلتقى بهما، فتصيح:
مرحباً بكما يا صديقيا العزيزين.
يرد الصديقين فى صوت واحد:
أهلاً يا حورية.
تقول الحورية: سأريكما
هدية رائعة، أحضرها لى النورس صديقى.
وقبل أن تريهما العشبة،
يقول الأخطبوط: وأنت أيضاً إنتظرى، لترى الشئ الدى وجدته مدفوناً فى الرمال.
يرفع الأخطبوط بإحدى أدرعه
الثمانية كأساً بيضاء، لا معة، شفافة، من زجاج الكريستال…
تقول حورية البحر، وهى
تتناول الكأس بفرح من يد الأخطبوط: يا لهده العشبة المباركة، لقد بدأ تأثيرها يظهر.
تسأل السمكة: مادا تعنين
يا حورية بقولك هدا؟.
-أعنى دلك الحظ الرائع الدى
جلبته لى هده الوريقات الصغيرة الأربع.
يقول الأخطبوط: حظ رائع
فعلاً، لكن، هل تعنين أنك تؤمنين بهده السخافات؟..
ترد الحورية باستغراب:
وأنت ألا تؤمن بها؟..
يجيب الأخطبوط: طبعاً، لا
أؤمن بها، إنها مجرد خرافات سخيفة، لا معنى لها.
يتنحنح الأخطبوط ويهز
أدرعه الثمانية، ثم يواصل: ربما كان بنو الإنسان يؤمنون بقدرة هده العشبة على جلب
الحظ، أما أنا، فلا أعتقد بدلك.
تعقب الحورية وتقول: إذن كيف تفسر
وجود الكأس الكريستال بعد ضياعها؟.
يقول الأخطبوط: إنها مجرد
مصادفة، لا أكثر.
لا تقتنع حورية البحر بكلام صديقها
الأخطبوط، وتبقى على يقين من أن العشبة هي
مصدر حظ لها، ومن شدة حرصها عليها تضعها
داخل كتاب.
بعد عدة أيام، نحس حورية البحر أن الحظ يبتسم لها، ولن
يتخلى عنها، فقد وجدت العقد الضائع الذي فقدت الأمل
باسترداده، ووجدت ايضاً سفينة غارقة
محشوة بأنواع مختلفة من الأشياء الثمينة، النادرة…
وبينما حورية البحر تفاخر بحظها، وتعزو هدا الحظ – الذي حالفها –
إلى العشبة.. ذات الوريقات الأربع، ظل الأخطبوط يردد: صدقينى يا حورية،
إنها مصادفة، نعم، مجرد مصادفة.
لكن الشئ الذي لم تتوقعه حورية البحر، هو أن ساحرة البحر الشريرة قد علمت بالحظ الذي صادفها، وبالكنز الذي ظفرت به، فقررت أن تفتش عن مكان عشبة الحظ لتتلفها، وفي يوم تذهب فيه حورية البحر
– مع أصدقائها – في نزهة بعيداً عن
مسكنها.. فإذا بالساحرة الشريرة تذهب إلي الكهف ، وتأخذ الكتاب وتمزق أوراقه
بيديها الغليظتين، فتتناثر بتلات
العشبة وأوراقها الملونة، وتضيع بين الأمواج…
لا تلحظ الحورية غياب الكتاب وضياع العشبة، إلا في
اليوم التالي، فتحزن وتبكى وتحتار في ما تصنع…
تفتش الحورية عن الكتاب في كل مكان، فلا تجد له
أثراً…
تمسك الكأس الكريستالي بيد مرتعشة، فيقع من يدها، ويتناثر إلى عشرات القطع…
تبكى حورية البحر كثيراً، وتقول لصديقتها
السمكة: انظري ماذا حدث، لقد ضاعت العشبة، وضاع حظي
السعيد معها.
تفكر السمكة فى نفسها وتقول:(يبدو، والله أعلم، أن
صديقتى حورية البحر صائبة في توقعاتها، فقد تبدل حظها ما بين ليلة وضحاها، والدليل فقدها لحقيبة الذهب، وتهشيمها لمزيدا من الكؤوس الثمينة، الجميلة)….
تقلق السمكة على صديقتها، وما تعانيه من مشاعر حزينة، وتقول لنفسها
من جديد:(ليتني أستطيع أن أجد لها عشبة بديلة)،
وفى الحال، يخطر للسمكة أن تصنع من أعشاب البحر شكلاً مؤلفاً من أربع أوراق،
وتقدمه لصديقتها على أنه عشبتها
الضائعة…
تفرح حورية البحر كثيراً، وتشكر
السمكة على معروفها، وما هى إلا
لحظات، حتى تشعر حورية البحر أن الحظ السعيد قد عاد
إليها مرة أخرى، وبفضل المفعول السحري
للعشبة، تعثر على بعض أشياءها
الضائعة:(عقد اللؤلؤ، والقرط الماسى.. والأزرار اللامعة، والحقيبة المملوءة بالذهب، التي حاولت الساحرة
الشريرة أن تحصل عليها)…
يمسك الأخطبوط بالعشبة التي أحضرتها السمكة،
ويقلبها بين يديه، فيشعر بأنها ليست العشبة الأصلية، فيناولها لحورية البحر ويقول لها:
افحصيها بنفسك جيداً، أليس فيها شئ غريب؟..
تمسك حورية البحر العشبة وتفحصها
جيداً، ثم تصيح: معك حق يا صديقي، إنها ليست نبتتي المباركة، ترى هل يمكنك أن تحل
هذا اللغز؟..
كانت السمكة قربهما، تسمع ما يدور بينهما من حديث،
فتحس بالخجل من فعلتها، وتتقدم من حورية البحر قائلة: أعتذر
منك عن فعلتي، فقد كان هدفي بكذبتى تلك أن أساعدك، وأبعد الحزن عن قلبك.
يضطرب جسد الحورية انفعالاً وتقول: والآن، ما هو
تفسير ما حصل، فقد ظننت أنها العشبة الأصلية، حيث حدث كل شئ كما أريد وأتمنىَ.
يرد عليها الأخطبوط: الآن، بدأت تفهمين يا صديقتى،
فأنت عندما تؤمنين بنفسك، وبقدراتك، تصنعين حظك السعيد بنفسك، فتحدث الأمور جيداً.
ثم يواصل: ثقي يا صديقتي، ليس هناك حظ، ولا عجائب،
ولا معجزات، بل فقط جهد وعمل يولدان النجاح والحظ السعيد.
يسأل طائر النورس: هل هذا يعني أن تتخلص حورية
البحر من العشبة؟..
تصيح حورية البحر وتقول: لا، بل سأحتفظ بها، لتذكرني بأن لا أتكل في انجاز أموري فى
الحياة على عشبة صغيرة، أو أى شىء آخر، مهما كانت قيمته، بل أعتمد على نفسي وأجتهد،
لأحقق ما أريد وأتمنىَ.
تمت
(*) الأخطبوط: الأخطبوط من الأحياء المائية المميزة، وتعيش الأخطبوطات أساسا فى
بحر الصين والبحر المتوسط، وعلى امتداد سواحل هاواي وأمريكا الشمالية وجزر الأنديز الغربية، وللإخطبوط ثلاث قلوب اثنان منهما يضخان الدم إلى الغلاصم، في حين أن الثالث يضخ الدم إلى
باقي الجسم.