لا أحياء في المنطقة

 


قالت
“ليليان” بإشفاق: – لماذا تلومه؟. إنه كائن حي أيضاً. ويشعر بالجوع.

بُهت لون
“حامد”، كما بُهت لون السماء بسرعة، وتبدد الضباب فوق الوادي، وصارت
الرؤية ممكنة إلى مسافة بعيدة، والتهب طرف السماء بحمرة قانية في الأمام، فالشمس
كادت أن تشرق، والبرد كان شديداً جداً في صباح الوادي الرطب، فأخذنا نرتعش في
ملابسنا المبللة، وظلت أقدامنا تنزلق، وتبقبق في الأحذية المنقعة، وقد شعرت بآلم
متزايد في الكتف، فحاولت أن أقلل من تحريكها على قدر الإمكان، وأنا أسند
“نسيم” من إبطه بيدي اليسرى، وراحت عيناي تجوبان الأرجاء بحثاً عن قرية
“العوجة” التي أخبرنا بوجودها “حامد” وأنتظر رؤيتها بفارغ الصبر،
وبالرغم من أن كل الدلائل أشارت إلى أن هذا المكان غابي غير مأهول، وأن القرية
لابد وأن تكون بعيدة، كما وأننا كنا نسير على مهل، أي بخُطى متباطئة ومتثاقلة، ولم
لا، وقد مررنا بتلك الليلة المجنونة، وها نحن نحاول طرد النُعاس بصعوبة، ومن المهم
أني وجدت أعصابي هادئة بعض الشئ نتيجة لاجتياز المستنقع بنجاح، ولكن ظللت أفكر
بنتيجة المعركة في الممر الجبلي، وهل تمكن الرجال من العبور بأقل الخسائر، ام
أبيدوا؟.

إنعطف خط
الشُجيرات عند حافة الوادي إلى جانب، وانكشف أمامنا حقل “بطاطس”،
فتوقفنا لحظة نتطلع حوالينا بحثاً عن قرية “العوجة”، فما دام هناك حقل
مزروع، فلابد وأن تكون بالقرب قرية مأهولة.

كانت تمتد على طول حقل
“البطاطس” خطوط ممهدة، على سيقانها الريانة براعم كالنجوم البنفسجية.

تعمقنا في حقل
“البطاطس”، واخترنا خطاً عريضاً نسير فيه مع الحصان، وقد بدت أوراق
“البطاطس” على الجانبين غير عالية، وعلى مسافة أبعد. لاحت أشجار
“النخيل” وشُجيرات متنوعة، ووراءها “تبة” تنتصب بعدها غابة من
أشجار “الزيتون”، وغابة أخرى صنوبرية قاتمة، ولا أحد منا يعرف موقع قرية
“العوجة” بعد، ونمني النفس بوجودها على الخارطة، ولكن كل هذا النماء
يبشر بوجودها، أم أنه نماء خادع، ولا أحياء في المنطقة؟.


من روايتي القادمة “صاحب الشقة” وهى من الأدب الفلسطيني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *