كانت الأجساد متعَبة،
نيلية اللون من السياط والعصي والهراوات.
يشاهد
الحراس بعض الأسرى، وهم يتجهون إلى الحمامات لقضاء الحاجة، فيعتبرون ذلك مخالفاً لأحد
أوامرهم:
ممنوع الحمامات إلا
بإذن.
ممنوع الصلاة.
ممنوع قراءة القرآن.
ممنوع الغناء.
ممنوع الوقوف داخل
الخيمة.
ممنوع التحدث مع
الخيام المجاورة، ومع الزملاء في ذات الخيمة.
يجب على الجميع أن
يستيقظوا باكر للتفقُد الصباحي، وأثناء التفقد ممنوع التحرك إطلاقاً.
ممنوع الخروج من
الخيمة أثناء الليل، حتى لو كنت في أمس الحاجة إلى الحمام، ولو أدى ذلك إلي التبرز
أو التبرز في مكانك.
ممنوع الإعتراض على
أوامر الحارس.
وهكذا،
ننام في تلك الليلة كالمخدرين، حين تسترخي الأعصاب مرهقة، وتدب الألام من كل جانب،
وتسري الأمراض أيضاً، إذ كان الكثير يعاني من الإسهال، ومن فقدان الدواء.
في
الليل، بعضنا راح يتبول في أكواب الشاي، وفي الصباح، أتى الحراس لإحصاء عددنا.
وراء
خيمة الحراسات، ظل بعض الحراس يتلذذون بافتعال السُعال قبل البصق على وجوه الأسرى،
كي يكون البصاق مصحوباَ بالمخاط، ويُمنع الأسرى من مسحها.
وهكذا،
نبقى على هذه الحالة السيئة، وتنتشر الأمراض بيننا أكثر فأكثر، ويظل الطعام سيئاً
للغاية، إذ يُطبخ في خيمة قذرة.
يوزع علينا في الصباح الفطور، لكل اثنين قطعة جبنة صغيرة،
مع قطعة خبز. أو لكل اثنين بيضة ونصف، وكوب شاي. والغداء رز وجزر، والعشاء بطاطا
مسلوقه، أو معلبات تالفة، تفوح منها رائحة كريهه.
لا وجود للماء والصابون، وثيابنا المشقوقة من الخلف
متسخة جداً، تلتصق بأجسادنا، جسد أحد الأسرى ملئ بالشظايا، وينزف دماً، هذا الأسير
جُلد على ظهره مكان الإصابة، يكاد أن يموت.
يقف أحد الأسرى أمام باب المعسكر، وينادي على زميل له، فيفتح
الحارس باب المعسكر، وهو يأمُر المنادي بالجلوس أمام الباب، وبعد قليل، تأتي عربة
بالتموين.
بدا التموين عبارة عن كرتونات وصناديق خبز وسكر وشاي وبعض الخضار، وما
شابه ذلك، يقوم المنادي وحده بنقلها إلى الداخل، وصندوق بيض ما يزال على الأرض.
يحيط بالمنادي ثلاثة من الحراس، بيدهم أسلحتهم الرشاشة،
موجهة نحوه، يأمره أحدهم أن يركع، ويضع يده على رأسه.
يركع الأسير على
الأرض، فيفتح الحارس الآخر صندوق البيض، ويبدأ بتكسير البيض على رأس الأسير، يفرغ
نصف كرتونة البيض، وهو يضحك بشدة، أي أكثر من مائتي بيضة، ثم يقول (يبقي هذا الكلب
هكذا حتى الغد، ممنوع أن يضع الماء على جسده).
يدخل
المنادي إلى الخيمة، عينه تدمع من أثر البيض، ورائحته، ويبقى على هذه الحالة، حتى
اليوم التالي داخل الخيمة، الذباب يتجمع عليه، بعدها يذهب، ويغتسل بتوسل من أحد
الحراس.
من أجواء روايتي “الأنياب الباردة” الصادرة عن دار نشر “ديوان العرب” عام 2024