كان
شروق الشمس هادئاً وجميلاً. فأجلس على
الدكة الخشبية العتيقة، وأنا أبصر بعض السحالي والخنافس والعقارب بجوار الخندق
الأمامي للتبة، هى مثلي، تُريد أن تتشمس لبضع دقائق، ألوان السحالي متداخلة، وعجيبة،
لامعة، زرقاء وحمراء وصفراء وخضراء، وبها خطوط سوداء.. تنظر إلىّ لحظة، بعيون
عسلية متسائلة، ترعبني فترة، ثم تختفي بين الرمال والحصى.
أزيز
الريح ينذر بليلة عاصفة.
ألمح
للمرة الأولى طائر لا أعرف نوعه، يعبر في طريقه للجنوب، إنه طائر السمان الذي
أبتسمت له، ومنحته التحية العسكرية، وأستغربت بشدة من وجوده في هذا الوقت، وهذا
المكان، وأرجعت ذلك إلى غرائب هذا الجزء من العالم، فطائر السمان، كما أخبرني أبي
ذات يوم، لا يصل من موطنه بوسط أوروبا إلى “سيناء”، إلا في فصل الخريف، ويقوم البدو،
في الظروف العادية، بنصب شباكهم على ارتفاع منخفض لصيده، وفي هذا الوقت تتسرب
أعداداً كبيرة منه إلى أحواض النخيل، وخمائل الجريد والحشائش، وأثناء حرب
الإستنزاف بين مصر وإسرائيل عقب هزيمة حرب عام 1967، كان المقاومون بسيناء يتابعون
عمليه صيد السمان بعصا طويلة، في نهايتها قطعة من الحديد الثقيل ”العصا
والدبوس”، فإذا ما وجدوا أثراً للسمان على الرمال، إتجهوا خلفه، لأن طائر
السمان لا يقف في الهواء، بل يختفي في جريد النخيل الكثيف، ويبدأ شباب المقاومة،
وهُم عادةً شابان، في محاصرة الطير، وبإحداث حركة خفيفة، يخرج السمان على رجليه
مسافة قصيرة، ثم يطير في الهواء.. وهنا تبدأ عملية صيده بالعصا والدبوس، وفي
أثناء الصيد، يقوم الشابان برصد مواقع العدو الإسرائيلي، وجمع المعلومات عنها،
وكان موقع “رُمانه” كمثال. يحده من الجنوب حوض نخيل متصل، وهو موضع
مناسب لاقتفاء السمان، بدون إثارة أي شك في نفوس جنود العدو، الذين يقيمون في هذا
الموقع المهم على ساحل “رُمانه”.. ويستمر الشابان في مُلاحقة ومتابعة
السمان، والهدف الحقيقي كان جمع المعلومات عن هذا الموقع ونشاطه، حيث كان من بين
الأهداف المُنتخبة التي قامت قواتنا بقصفها بالصواريخ بمعرفة منظمة “سيناء
العربية”، التي كانت تقض مضاجع المُحتل الإسرائيلي، وذلك. وفقا لخطة قواتنا في
إزعاج العدو، وتدمير أهدافه.
أغادر
الدكة.
من روايتي القادمة “نقطة 14 مراقبة؟