أنا والرجل البدين

 

أتجه بهمود وإحباط إلى الطرف الأمامي


للتبة، فأجد رجُل بدين، قصير، أكرش، بحدقتين
زهريتين، واسعتين، وبؤبؤين حمراوين، داكنين، وزوايا جفنين متآكلين يشوبهما الأحمرار.
له وجه شركسي، مغطى بالحُفر والنمش، يشع باربداد غامض، ولكن غير كريه، تعلوه مسحة من
ثقة، مما يلازم القادة عادة، وتحت أنفه الأفطس شارب كستنائي مهوش، وشعر رأس أجعد، يميل
إلى البُني الداكن، ويعتمرة جسده جلباباً صوفياً، تعلوه عباءة صوفية هى الأخرى، بلون
الجلباب.

أقترب من الرجُل بحذر وأنا أفكر (يا إلهي الرحيم المُنقذ، إن الرجُل تنبعث منه
رائحة كالرماد، ورانحة تبغ قديم زاعق، ولا يزال يبقي على يديه معقودتين على بطنه البارز).

أقف قبالة الرجل الذي يقطع تأمله لأشكال الدخان الواوية، ثم يفك تشبيكة يديه،
وما يلبث إلا أن ينخرط في سعال متقطع، ثم يتمخط بصوت عال، وأنا أتراجع إلى الوراء خطوة،
وأبدو في فزعي المكبوت كأنما أرتد إلى الطفولة، وفي النهاية، يصافحني الرجل بيد معروقة
دكناء، وبود ظاهر، وعلى وجهه ابتسامة تبعث على الثقة، وتكشف عن أسنان مصفرة مشرشرة،
وها هو يزيل مصافحته لي بربتة على كتفي، كأنما هناك رجُل كبير يحنو على طفل صغير، ثم
يرين إلىّ بعينين رائقتين، وبجملة طرية، وابتسامة لطيفة حيية لا تبدد مهابته، وتصدر
إلىّ مشاعر الود: -حمداً لله على سلامتك يا بطل. ثم: -أنا عمك مصطفى صول النقطه، من
القاهره. فأعقب بسرعه: -وانا عادل فريد سعد الهلالي، جندي الإشاره الجديد، وقاهري أيضاً.
فيكتفي الصول بهز رأسه وابتسامة عفية، وللحقيقة، فقد بدا هدوئه وحديثه المحكوم وجمله
القصيرة الواضحة، تكمل ما توحي به هيئته ونظرة عينيه وملامحه، من اعتداد وأهمية وتباعُد،
وبدا رغم ذلك، مهذباً، ودوداً، يحاول أن يبث في قلبي طمأنينة بعيدة المنال.

من أجواء روايتي القادمة “نقطه 14 مراقبة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top