الكشكول


في المساء يرن
جرس التليفون في حجرته القديمة؛ مهلهلة الأثاث؛ وكان هو المتحدث على الطرف الآخر:
دعي حامد يأتيني حالاً ومعه الكشكول؛ سمسم طلب مني مقابلته فوق.

يمتصهما السلم
الحلزوني إلي الدور الثاني؛ يدلفا برفق من فتحة الباب المعدني الدوار؛ الملفوف بالحراس؛
يعبرا الممشي الضيق؛ الطولي؛ يتوسدا الصالة الواسعة؛ المفروشة بالبسط الحمراء؛
والطاولات الدائرية الملونة بمقاعدها الجلدية السوداء الوثيرة.

وبين الأعلى
والأسفل؛ الناتئ والمدور؛ الهابط والصاعد؛ الهادئ والصاخب؛ الصامت واللاهج؛ المحكي
والمسكوت؛ المنظور والمستور؛ يعرجا معاً إلى سدرة خشبة المسرح المستطيل المبَرقش
بأفراد الفرقة الموسيقية؛ يتصدرها سمسم المغني؛ والذي بإشارة خبيرة من يده؛ تهل
لهما الفتاة الجميلة؛ الرشيقة؛ شبيهة التفاحة الأمريكاني الناضجة؛ ببنطالها الجينز
الأبيض المحزق؛ وهذا الشئ الوردي الذي يغطي بطنها وصدرها؛ وينحسر عن طرف الحزام
الأحمر؛ الملفوف حول خصرها اللدن؛ الأفعواني؛ وبرنة طرية ملساء كالحرير: بيره؛ أم
ويسكي؛ أم شامبانيا.

-بيره يا دلال.

يقول صفوت؛ وفي
الحال؛ تغرز نظرتها اللاهية في وجه حامل الكشكول: والأستاذ؟. 

بتلعثم: شاي لو
سمحتي.

بإنثناءه طرية؛
ونظرة حيية؛ مطالبة؛ لا تخلو من غندرة محرضة: هو الأستاذ كفا الله الشر لم يبلغ
بعد سن الرشد؛ أم ماذا؟.

صفوت بحسم: عيب يا
دلال؛ شاي الأول؛ ثم البيره؛ ولا تنسي المزَّه.

بتهتك بين
الطاولات المتموجة بالضوء الخَافت: تعجبني؛ قال شاي قال.

وبعد تناول الشاي
الساخن؛ تحضر دلال البيرة الساقعة؛ غبش الثلج يغطي الزجاجات الخضراء؛ تفور البيرة
بيضاء عند الإنسكاب؛ ثم تترسب صفراء؛ وفي غمرة الضحكات المفرقعة؛ الناعمة؛ وأصوات
خشنة؛ متكلمة؛ وسحب الدخان الكثيف؛ وأوراق البنكنوت الملون؛ المتطايرعلى رؤوس
ونهود وأقداء الراقصات المائلات؛ المميلات؛ تميد دلال بصدرها الناهد؛ الرجراج؛ إلى
الأمام؛ وتنثنى بخصرها اللين إلى الخلف؛ ثم بهمس راجف بالغواية: ناوي الليلة يا سي
صفوت؛ أم..؟.

بخفوت: لا؛ أممممم؛
الجو الليلة ملبش.

تمصمص شفتيها: أوكيه؛ على كيفك؛ فهمت.

في القاعة ينطلق
المزمار؛ ويتفنن الطبال؛ هنا لا رقابة؛ الحركات جنسية مثيرة؛ تتلوى البطون؛ وتتوثب
الأثداء؛ وتذبل العيون؛ وتشهق الشفاه؛ ينزل إلى حومة الرقص بعض شبان لعبت الخمر
بعقولهم؛ ينافسون الراقصات؛ وتسارع بعض النساء لتقديم الإيشاربات ليتحزموا بها؛
فينضبط الهز؛ ويتأود الخصر؛ وقبيل آذان الفجر من المسجد المجاور؛ يلتقط بحمئة طرف
الكشكول الورقي من ركن المائدة؛ يتكئ بيده على حافة مقعده الخالي؛ يصوب نظرة مشوشه
إلى هذا القادم على مهل من وسط الصالة شبه الفارغة؛ وبكلمات بليدة؛ ثلجية؛ كوصلته
الغنائية: آسف يا صفوت باشا؛ خيرها في غيرها؛ المنتج لم يأت الليلة.

وفي نهر الشارع الفارغ
من المارة؛ يدحرج صفوت كرات لعناته على رأس سمسم الذي غرر به؛ وأطاح بثمن شراء
الثلاجة؛ وتأجيل حلم ولده في العثور على منتج لكشكوله الورقي العتيد.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *