محاورة بين طيارة وسيارة

الطيارة : – أيتها السيارة : مالى أراك محصد
 الأرواح ومبعث المغارم، أقلقََت رقابتك الشُّرَط،
وفجعت حوادثك الناس، وضاقت بالشكوى منك الصحف، فكم طحنت طفلا، وأرديت عجوزا، واحتضرت
 تلميذا فى سبيله إلى المدرسة، ودهمت عاملا
فى طريقه إلى معمله. لا تسيرين فى شارع حتى تبعثى غباره، وتثيرى قتامة، فترمَدَ
العيون، وتؤذَى الصدور. ولا تنطلقين إلا فى زئير مُتتابع، وعجيج لا ينقطع، فتضجر
النفوس، وتصم الآذان.

     السيارة : – كأنك أيتها الطيارة تزعمين أنك
من نظيراتى، وتعدين نفسك من قريناتى،  وغاب
عنك أنك لابُد أن تدُفى، وتُسفِىّ  فى مطار،
ولا تقفى فى أى مكان. تحلقين فى السماء، فترتاع القلوب، وتهاج النفوس، وكثيرا ما
غررت بركابك، حتى طوَّحت بهم إلى لجة البحر، ثم هويت فطواهم موجك، واحتواهم قاعه،
وكم ذهبوا وما رجعوا، فغالتهم غوائل القدر، وتخرّمتهم  بوائق الدهر، ولا يحظى بركوبك غير سليم القلب،
رابط الجأش، شديد القوى، وقد حرّمت أن يمتطيك سقيم أو مهزول، حتى لا تفيض  نفسه، ولا يفضى من خوفه. ولا تسلسين القياد إلا
لأمه معدودة، وجماعة محدودة، لولاهم ما أزّ أزيزك فى السماء، ولا صففت  فى الفضاء. أما أنا ففى طاقة الطفل أن
يُنْشِطَنى من عقالى، والفتاة أن ترخى زمامى، لا أكلف صاحبى أن يستخدم سائقاً أو
يستصحب مهندساً حاذقاً.

الطيارة
: – كل المصائب قد تهون علىّ، إلا أن تعمد السيارة لمناظرتى، وتقف لمباراتى، فتتصيد
لى المثالب، وتختلق المعايب، وأنا بنت السماء، وملكة الفضاء، لا تقف فى طريقى
التلاع والتلال، ولا تصدُّنى عن سبيلى الروابى والجبال، ولا تحول بينى وبين مقصدى البحار
والأنهار، أطير على هام  ذروتها، وأسبح فوق
لجَّتها، إن هويت ؟ إلى البحر، مخرت عُبابه كالباخرة، أو هبطت إلى البر، عدوت
كالقاطرة. ولست مثلك إن رأيت تلا أو جبلا، وقفت باهتة، قد سُقِط فى يدك، وكسر
ذراعك، وهل أدل على حقارتك، من تصّرف الشرطى فيك. تقفين بإرادته، وتسيرين بإشارة
من سبَّابته.

     السيارة : ×– أيتها الطيارة : فى كلَيْنا خير وشر، ولكن
لا أسلم لك أنك أحسن منى ذكرا، وأعظم قدرا، فلم آل جهدا فى خدمة الإنسان حتى
إنتظمت له الراحة، وتهيأت له السعادة : من طى المسافات، إلى إسعاف فى الملمات، ومن
نقل عروض التجارة، إلى حمل أدوات العمارة، ولو نظرت بعين التأميل. لوجدتنى فى معظم
مرافق الحياة، ساعده ويمناه، وثمنى قليل، وعملى جليل.

     الطيارة : – دعى المكابرة وارجعى للحق فإنه
أبلج  أتنكرين أنى أطوف بالأرض، وأسبح فى
جميع نواحيها !. أما سمعت بأن الطيار يُصبِح فى لندن ويُظْهِر  فى برلين ؟، وأنى أسعف مريضا فى مصر بطبيب من
باريس. وأنى أحمل البريد من مصر إلى العراق فى ساعات. ألم يبلغك أنى ساعدت
المستكشفين على كشف المُغفَل  ومعرفة
الغامر  من البقاع، فأثاروها وعمروها. وأنى
مكنت رجال الأمن من مباغتة السلابين وقطاع الطريق، الذين ينهبون الناس أموالهم
ويفتكون بأرواحهم، ثم يلوذون بالجبال فيعتصمون بكهوفها، ويفرون إلى الغابات
فيتوغَّلون فى أحشائها وأنى ساعدت المهندسين على ذرع  الأرض ذرعاً دقيقاً، وتصوير البلاد تصويراً
صادقاً، وأنى أتنوَّر الأعداء فى ميدان القتال، فأعرف قوتهم، وأستطلع تدبيراتهم،
فأهتك الستر عنهم، وأنقض عليهم أمرهم، وأرُدُّ كيدهم إلى نحورهم، وأدرك الجيش وقد
أحدق به الأعداء، وحفُّوا به من كل مكان، فأمده بالمؤن والذخائر، وألقى إليه
النصائح والرسائل : فأحقن دماءهم، وأجعل النصر حليفهم. وكفانى فخراً أنى عوَدت
الإنسان الشجاعة والإقدام، وتحمل المشقات والإقبال على الموت الزؤام  فغُضِّى الطرف أيتها السيارة فقد دحضَتْ حجتك،
وزهق باطلك، إن الباطل كان زهوقا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *