الإقتصادُ يتحدِّثُ بآثاره..!


أنا الإقتصاد مفتاح السعادة، ومِعراج
السيادة، وينبوع اليسر والرخاء، ومبعث الرفاهية والهناء، يتمسك الغنى بأهدابى،
فأَرْتَبى  ماله، وأنمى ثروته، وأصون جاهه
وكرامته، وأقيه شر المتربة، وسوء المصير. ويلزم الفقير بابى، فأنهضه من عثرته،
وأريش  جناحه، وأسنى نجاحه، وأكفل له عيشا
رغيداً، ومستقبلاً سعيداً، أنا وسط بين رذيلتين ( وخير الأمور الوسط ) : بخل يغرى
الإنسان بجمع المال، من حرام وحلال، فيعيش خازناً لغيره، محروماً من خيره، وقد
يرثه أعدى أعدائه، فلا هو أفاد  منه فى
دنياه، ولا قدّم لأخراه، ولم يكسب إلا عيش الشَّظف  والخشونة، ونقمة الناس عليه، وبغضهم له، ثم رحل
مُزَوَّدَاً بالضَّعة والمهانة، مشيّعاً بالسخط والشماتة. وإسراف وتبذير، يفضى
بصاحبه إلى البوار، وخراب الديار، فيحيا حياة مُرة كريهة، مضطرب الأحوال، جَم
الأوجاع والأوحال، ثم تكون قُصارى أمره، أن يتمرَّغ فى حمأة الفقر المُدقع، ويتقلب
فى أحضان الذلة والصَّغار، وذلك جزاء المبذَّرين إخوان الشياطين، لا ترانى إلا حيث
ترى العيشة الراضية، والسعادة الغضة، والخفض الوارف، والعز السابغ، والنعيم المقيم،
والنفوس المطمئنة، والوجوه المستبشرة، والآمال المرجوة، والأمانى المثمرة، فإذا فُقِدَت،
فهناك الطامة الكبرى، : معيشة ضُنْك، وعسْر مستحكم، وبؤس شامل، وشغل شاغل، وهَمّ
ناضب، وشرف ذاهب، وحال : – صم َّ السمع، وتُعمى البصير، ويُسأل من مثلها العافية.
وحسبى شرفاً وسؤدَدا، أن الشرائع المنزلة، والقوانين الوضعية، والعقول السليمة،
أوسعتنى مدحاً وثناء، وحثّت على سلوك محَجَّتى، والإستمساك بعُرْوتى. وجعلتنى
قِوام الأخلاق، ونظام الأرزاق. وأطرانى الرسل والأنبياء، والحكماء والشعراء، من
لدن أدم إلى اليوم، وعدّونى نصف المعيشة، والمعقل المنيع، الذى لا ترقى إليه
الفاقة، ولا تحوم حوله الضائقة. لولاى ما نهضت الممالك، ولا ارتقت الشعوب، ولا
قطعت المدنية ذلك الشوط البعيد، فى التقدم الحسى والمعنوى، فما تراه من مظاهر
العمران والحضارة، فى المدائن والقرى، والماء والهواء، فهم من آثار الغنى والثروة،
وأنا عمادها القوىّ، وركنها الشديد. أنا جماع الفضائل، وقطب دائرة الأخلاق، أعوّد
النفوس العفية والقناعة، وأكبح  جماح
شهواتها، وأُقلِّم أظافر نزعاتها، وأروضها على الإستقامة والإعتدال، والصبر الجميل،
وأغرس فيها قوة الإرادة، وبعد الهمة، ومضاء العزيمة. ومتانة الأخلاق. أنا عدو
الفاقة الألد، وخصم الفقر العنيد، وكاشف المتربة والعُسر، وجالب الخفض واليُسر، وآخذ
له أمانا من الدهر القُلَّب بحروف ذهبية، أنه سعيد الجّدَّ، ميمون الطالع، مسموع
الكلمة دون منازع، وأملؤه عزة وإباء، فيكون سامى الطَّرْف أشم الأنف، ثبت الجنان،
فصيحا لدى المقال، جريئا عند النزال. وأحفظ له ذريته بعد وفاته، فلا يلحقهم شر،
ولا يصيبهم ضر، ولا يكونون عالة يتكففون الناس، فيموت قرير العين، مثلوج الفؤاد،
بيته معمور، وذكره مأثور، وعرضه موفور، وكأيِّن من أناس إصطفَوْنى رفيقا، واتخذونى
صديقا، فطفقت أمد لهم فى أسباب الواسع، والجاه العريض، وأمهد لهم وسائل التقدم
والرفعة، وأفتح لهم بقوة المال المُدَّخَر، الأبواب الموصدة، وأخفت برنين الذهب
أصوات منافسيهم، وأنير لهم ببريق النُّضَار، طرق الإنتصار،. فما هى إلا أيام قلائل
حتى نبه ذكرهم، وكان خاملا، وعلا قدرهم، وكان وضيعا، وأصبحوا بعد، أن لم يكونوا
شيئاً مذكورا، ملء البصائر والأبصار، بل علَما 
فى رأسه نار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *