نخلة تتحدث بمزاياها

 

 أنا النخلة، أصلى ثابت وفرعى فى السماء، لى جذر
ذو فروع؛ يخترق باطن الأرض، ويغوص فى أعماق التراب، فيمتص الماء من مساربه، ويجلب
الغذاء من مواضعه، وساقى مستقيم اسطوانى الشكل، خشن الملمس، قد نما وطال، وتكونت
من قشرته الظاهرة بروزات ممهدة، يسهل الصعود فيها والإنحدار منها، لمن يرغب لأجل حصاد
بلحي، وقد كُلَّلَت هامتى بتاج أخضر، دون تاج كسرى وقيصر، كآنه قبة مضروبة، أو
ظُلَّة منشورة، يقينى وهج الشمس، ولفح الهجير وحسبه شرفاً وفخراً، أنه أول ما
يستقبل الشمس طالعة، وآخر ما يودعها غاربة، وإذا رأيتنى وقد أثقل عناقيدي ما حملت
من بلح ناضج، رأيت فرح العيون وسلوة المحزون، فمن سعف أخضر، كأنه خرز الزمرد،
وقلائد الزبرجد فى أعناق الحسان، ومن بلح أحمر كأنه جواهر الياقوت، أو فصوص
العقيق، ومن بلح أصفر فاقع لونه يسر الناظرين، تظنه قطع الذهب، أو عقود الكهرمان،
وإذا تنسمت الهواء تملكني الطرب، فأميل وأعتدل فعل النشوان، فأنقَّط الأرض بالبلح
الأخضر، يزدحم على التقاطه الأطفال، إزدحام الورود على النهر العذب الزلال، وإن
كانت العاصفة الهوجاء، أحنيت لها ظهرى، وأسلمت لله أمرى، فما يمسنى سوء، ولا
يصيبنى ضرر، وقد خصنى الله الصانع الحكيم بمزايا تلهج معها ألسنة الشكر، فقد مد فى
عمرى، وبارك فى ثمرى، وجرى ذكرى فى مُحكَم قرآنه الكريم، وعلى لسان نبيه محمد صلى
الله عليه وسلم، ورزقنى قامة ممشوقة، مديده، ترتفع إلى مسابح السماء، فإذا كنت فى
البساتين والجناين، وقد ذهبت فى جو السماء، ألقيت نظرة على الأرض، فرأيت الأشجار أقصر
مني طولاً، والماء يجرى من تحتى، والعيون تدهش من رفعتى وجلالى، فيرقص سعفى فى
الفضاء رقص المُعجب، هذا إلى أنى أشبه أنواع النبات بسيد المخلوقات. ومن أخص صفاتى
أنى سهلة الإستنبات،  صبورة على المشقة
والجهد، وفية بالعهد، أعتمد على نفسى فى جلب قوتى، وآتى أكلى كل حين بإذن ربى، لذا
عظم الناس قدرى، وقدروا قيمتى، فتراهم يصلحوني، ويبنوا سياج حولي أعتمد عليه، وينتظرون
طلوع ثمرى انتظار الهلال، ويفرحون به فرحة المتحرر من الأغلال. أما عن منافعى
فحدَث عن البستان الزاهر، والقمر الباهر، فساقى يُشق طولاً، ويُقطع قِطًعاً، يُنتفع
بها فى البناء، وليفى تُتخذ منها حبال غليظة، وأخرى رفيعة، مشدودة الفتل، متينة
الصنع، وسعفى تسقف به الأكواخ والمنازل، وتُدق عراجينى؛ فيُعمل منها حبل المواشي،
ومكانس تُكنَس بها القمامات. ومن خوصى الأخضر والأبيض تُضفر القُفات، وتُنسج القبعات.
وبلحي شديد الحلاوة، فاكهة طيبة، وثمر شهى، ومنه يُستخرج عصارة البلح، ونواتي علَف
الماشية، وعليق الدواب، ولحائي جميل اللون، ناصع البياض، يُستطاب طعمه، ويُستلَذ
أكلُه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top