كدت أن أموت

 

كدت أن أموت.. أؤمن بشدة
بأن لكل أجل كتاب، وأؤمن بشدة بأن بالفعل لكل إنسان لحظة محددة سوف يموت فيها، لا
تقديم لها، ولا تأخير، كما أؤمن بشدة، بأن “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله
لنا”، وإيماني هذا ترسخ معي مع تعمقي في فترة من حياتي مع القراءات الدينية،
وهو ما أكده جملة من الحوادث التي تعرضت لها، ومن بينها، وأنا في جامعة عين شمس،
طالب أدرس في القانون، بعد أن غيرت مساري من كلية الزراعة، وكنت عائداً للمنزل،
وفي الطريق، كان على بعد مسافي قصير مزلقان سكة حديدية، وفبل عبوري لشريط القطار،
مر من أمامي القطار، ولم يكن بيني وبينه إلا خطوتين فقط ويدهسني، كان هذا المزلقان
غير مطروق بالمشاة، ولكنتي كنت أصل لبيتي مشياً على الأقدام، إذ لم تكن المسافة
بعيدة جداً، وكان هذا طريقاً مختصراً. كان يمكن أن أموت بالفعل، وتسقط ورقتي،
وينتهي خبري، ولكن لحظتي لم تحن بعد حينها.

والحادثة الثانية، كانت
وأنا طفل 12 سنة، وكانت من هواياتي التجول في أماكن بعيدة عن منزلي، كنوع من أنواع
الإستكشاف لأماكن جديدة، وكنت أتعلق ذات مرة بمترو مصر الجديدة في أخر عربة من
الخلف، لأتحاشى دفع التذكرة، وكان معي في ذلك الوقت طفل أخر من جيراني، ونحن
الإثنين في منطقة ألماظه، كانت هناك منطقة بمساحة ملعب لكرة القدم، ومسورة بسور
حجري بعلو حوالي المتر وبعرض ما يقرب من نصف المتر، فأخذت ألهو مع صديقي بالجري
فوق هذا السور، فإذا بي أقع على جانبي الأيمن، ويأتي وقوعي على غصن شجرة مكسور،
وله سن حاد، ومن لطف ربنا، أن ينغرس سن الغصن في فخذي الأيمن من أعلى، وبمسافة لا
تبعد عن مكان الكبد سوى بعدة سنتيمترات، فتفق الدم غزيراً، فجريت وصديقي لفيلا
تجاور المكان، ولما فتحت لي السيدة، وأظنها كانت خادمة، أتت بكوز من الماء، وشطفت
بنطالي من الدم، ثم قطعت قطعة من ورق كتاب سلاح التلميذ كان بحوزتي،  ووضعتها على الجرح حتى تجلط الدم، وعدنا من جديد
بذات الطريقة، ولولا لطف الله، لانتهت حياتي، ولكن ما زال لي بقية من عمر حينها.

الحادث الثالث، كنت في
الجيش، وكانت خدمتي في سيناء، وكان يتحتم العودة من أجازتي ليلاً، إذ لم تكن
العربة الموصلة من السويس لمنطقة أم خشيب بسيناء، الملاصقة لممر متلا، تتحرك إلا
بعد الساعة العاشرة مساءً، وعندما وصلت للممر، كانت الساعة قد تخطت الواحدة،
والممر طوله 5 كيلو متر، ومن بعده، خلاء يمتد لعدة كيلو مترات هو الأخر، وبداخل
الممر كان الظلام حالكاً، ولكن كان معي كشاف إضاءة صغير بطارية، وراديو صغير أأتنس
به، وكنت أسير بلهاث على كتفي حقيبة هاندباج ثقيلة، وبعد عبوري للممر بسلام، إنكشف
الجو تحت ضوء القمر والنجوم، فأطفأت كشافي، وأخذت أسير بسرعة لعدة ساعات على طريق
أسفلتي، وبعد وصولي لنقطة المراقبة التي حددت مكانها على التبة بالبرميل الذي نضعه
على جانب من الطريق أمام التبة، تنفست الصعداء، وتشهدت، وحمدت الله أني وصلت
بالسلامة، ولم يأكلني ضبع، كما حدث مع صول للنقطة، كان عائداً بذات طريقتي، ولم
يجدوا سوى قدميه بداخل البيادة بعد أن أكله الضبع بكامله، وهكذا للمرة الثالثة
أنجو، لأن لي عمر في انتظاري.

كدت أن أموت.. وإلى
اللقاء مع ذكريات جديدة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top