خُذ الباب وراءك

 

كانت وجبة العشاء لكل جندي كسابقتها (بيضة مسلوقة، ومكعب جبن مثلثات،
ومكعب مربة برتقال، ورغيف خبز أسمر قديد بارد.). وبعد عودتنا من أمام المطبخ،
وتخطينا لعتبة غرفة المبيت، همست بصوت متواطئ لمن يمشي خلفي (خُذ الباب وراءك.). كنت
أُريد أن يفصلنا هذا الباب الخشبي، برغم اهترائه، عن خلاء ساحة الكتيبة، المسكون
بالرياح، البادية كنواح الأرامل، مما حدا بي، منذ قليل، عدم الذهاب إلى الحمام، والإكتفاء
بتفريغ مثانتي على جانب من الجدار الخلفي لمبنى غرفة المبيت، والعودة إلى الداخل بهرولة،
وبضربات قلب مُتسارعة، هكذا أنا. كلما تواجدت في مكان أرتاب فيه،، والسبب. حكايات
جدتي “أم أمي”، وأنا طفل صغير، عن جنيِّة الماء المسحورة، التي خطفت الواد
“عويس”، إبن شيخ الغفر، وقفزت به في قاع الترعة دون أثر. أو عن الساحرة
الشريرة “بابا ياجا”، التي تخطف الأطفال، وتدق عظامهم في هونها الملتهب.
أو عن “أبو رجل مسلوخه”، و”شيخ بحر السندباد”، إضافة إلى
عفريت الطاحونة المهجورة، المتواجده بجوار دارنا، وغير ذلك كثير. ومن العجيب، أني
كنت أستمتع بسماع تلك الحكايات المخيفة بتفاصيلها، وفي ليلة الحكي، أحرص على
البقاء في حُضن جدتي حتى الصباح، مخافة الخروج من القاعة القبلية، للمندرة
البحرية، مكان نوم أمي وأبي وأخي الأصغر مني بسنتين، خاصة وأني سأضطر للعبور من جوار تلك
النخلة في صحن الدار، الشاخصة نحوي كالعفريت.

من أجواء روايتي القادمة “نقطة 14 مراقبة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top