الطائر العجيب

 

وبعد تناول الفطور الجماعي، يستإذن الضابط والعريف
في الإنصراف، وهما يصافحانا، يسلم الضابط علينا يداً بيد، وهو يشير إلى رقبته كما فعل
معنا من قبل  رائد عمليات الكتيبة، “إحرصوا
عليها”.  وبعدئذ. نشيع الضابط والعريف
من فوق التبة، وهما يهبطان بحذر، الضابط في المقدمة، وفي حضيض التبة، يُفَرغ العريف
جُزءً من مياه الفنطاس في صهريج النقطة، وبعد أن يغلق من جديد غطاء الصهريج، ثم يلوح
لنا مع الضابط، وهما يدلفان برفق إلى مقصورة العربة، يشق صوت موتورها الزاعق هدئة الأرجاء،
تترك زوبعة صفراء تثيرها العجلات، تلفظ دوائر دخان داكن، تستدير يساراً، تعتلي المدق
الأسفلتي، تنطلق عكس الإتجاه الواصل إلى خط الممر، وجهتها هى ذات الوجهة التي أتيت
منها بالأمس.  وحالما تغيب العربة عن أنظارنا،
تاركة وراءها سحابة سوداء، نعود أدراجنا برؤوس مُنكسة، وخُطى ثقيلة، متمهلة.

شروق الشمس يُغطي قبة السماء.  فأجلس على الدكة الخشبية العتيقة، وأنا أبصر بعض
السحالي والخنافس والعقارب بجوار الخندق الأمامي للتبة، هى مثلي، تُريد أن تتشمس لبضع
دقائق، ألوان السحالي متداخلة، عجيبة، لامعة، زرقاء وحمراء وصفراء وخضراء، بها خطوط
سوداء. تنظر نحوي لحظة، بعيون عسلية مُتسائلة، ترعبني لحظة، ثم تختفي بين الرمال والحجارة.

أزيز الريح يُنذر بليلة عاصفة ىمطيّرة، في وقت
يمُر فيه هذا الطائر من فوقي إلى الجنوب، إنه طائر السَّمان، الذي أبتسمت له، ومنحته,
وأنا جالس على الدكة الخشبية،  التحية العسكرية
الواجبة، لطائر ساعدنا في تحقيق النصر، وأستغربت بشدة من وجوده في هذا الوقت، وذاك
المكان، وأرجعت ذلك إلى غرائب هذا الجزء من العالم، فطائر السَّمان، كما أخبرني أبي
الضابط، لا يصل من موطنه بوسط “أوروبا” إلى أرض “سيناء”، إلا في
الخريف‏، ويقوم البدو، في الظروف العادية، بنصب شباكهم على ارتفاع مُنخفض لصيده، وفي
هذا الوقت. تتسرب منه أعدادُُ هائلة إلى أحواض النخيل، ‏‏وخمائل الجريد والحشائش‏‏،
وأثناء حرب الإستنزاف بين مصر وإسرائيل، عقب هزيمة حرب عام 1967، كان المقاومون بـ”سيناء”،
يتابعون عمليه صيد السَّمان بعصا طويلة، في نهايتها قطعة من الحديد الثقيل ‏”العصا
والدبوس‏‏”، فإذا ما وجدوا أثراً للسَّمان على الرمال، إتجهوا خلفه، لأن طائر
السَّمان، لا يقف في الهواء، بل يختفي في جريد النخيل الكثيف والحشائش، ويبدأ شباب
المقاومة، وهُم عادةً شابان، في مُحاصرة هذا الطيّر، وبإحداث حركة خفيفة، يخرج على
رجليه مسافة قصيرة، ثم يطير في الهواء‏. وهنا تبدأ عملية صيده،‏ وفي أثناء الصيد. يقوم
الشابين برصد مواقع العدو الإسرائيلي، وجمع المعلومات عنها. وكان موقع “رُمانه”،
كمثال. يحده من الجنوب، حوض نخيل مُتصل، وهو موضع مُناسب، لاقتفاء أثر السَّمان، بدون
إثارة أي شك في نفوس جنود العدو، الذين يقيمون في هذا الموقع المُهم على ساحل
“رُمانه”‏.. ويستمر الشابين في مُلاحقة ومتابعة السَّمان، والهدف الحقيقي.
كان جمع المعلومات عن هذا الموقع، ونشاطه‏،‏ حيث كان من بين الأهداف المُنتخبة التي
قامت قواتنا بقصفها بالصواريخ، بمعرفة ‏‏منظمة “سيناء‏‏ العربية”، التي كانت
تقض مضاجع المُحتل، وذلك. وفقا لخطة قواتنا في إزعاج العدو، وتدمير أهدافه.

من أجواء روايتي “نقطه 14 مراقبة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top