بعد حفل تكريمنا ، بأيامٍ قليلة .. ذلك الحفل
الذى جرىَ بإحدىَ القاعات الكُبرى ، والذى حضره أباؤنا وأصدقاؤنا ، وحشد كبير من
الناس ، جاءوا لسماع قصص نجاحنا .. بعد أن تلقىَ كل فرد من مجموعتنا الشبابية
الصغيرة ، التى تضُمُنى مع كريم وهُدَىَ وأحمد وخليل ، رسالة من وزارة البيئة ،
هذا مُلخصها :
( بعد التحية .. يسُر وزارة البيئة المصرية
، أن تُهنئكم بنجاحكم .. بإعتباركم شباب عرب نابغة ومُستنير ، إستطاع بفكره ومُثابرته
، أن يتحدىَ الظروف الصعبة ، ويخرُج علينا بهذه الإبتكارات الرائعة فى مجالات
التكنولوجيا والصناعة..
لهذا تدعوكم وزارة البيئة مُرحبة ، إلى
زيارة ترفيهية ثقافية علمية ، إلى منطقة العلَمين ، وإلى مكتبة الإسكندرية ، وسوف
يتشرف السيد ، وكيل الوزارة شخصياً ، بمقابلتكم فى يوم كذا.. فى المكان كذا ، ليشرح
لكم بنفسه تفاصيل البرنامج لهذه الرحلة إلخ ..
والتقى بنا السيد وكيل الوزارة ، وتحدث معنا
بإستفاضة ، مُلقياً علينا بعبارات الثناء ، مُقدراً لجهودنا . فى مُحاولات البحوث
والإبتكارات العلمية ، برغم صِغر سِننا ..!
ثم تطرق إلى الإنجازات الأخرى الواعِدة ، التى
تنتظرها منا بلادنا ،
ثم وصل بحديثه إلى الهدف الرئيسى ، من
رحلتنا المُرتَقبة إلى منطقة العلمين ، بصحرائنا الغربية ، حيث سنُشاهد حقول
الألغام هناك ، ونطلع على أكبر مُشكلة بيئية تُعانى منها مصر منذ 60 سنة ! ثم تعانى
منها الكثير من دول العالم.
– حقول
الألغام هذه مساحتها تقدر ب ( 2900 ) كيلو متر مربع ، أى بما يُعادل ( 2مليون فدان
) ، زُرعت بألغام على أيدى جيوش الإنجليز والألمان والإيطاليين ، عندما كانت هذه
الجيوش تُحارب بعضها البعض ، على أرضنا ، فى منطقة العلمين، أثناء الحرب العالمية
الثانية ..
وأضاف وكيل الوزارة قائلاً :
– أراضٍ مصرية خصبة ، حافلة
بالثروات المعدنية ، وصالحة للزراعة ، وبدلاً من أن تكون مصدراً للخير العميم ،
صارت مصدراً للشَّر الزميم ..! بالقتل والتشويه لكُل من يقترب منها..!
عندئذ ، ألقى أحد زملائنا ، سؤالاً طريفاً ،
على سبيل الدُّعابة :
– والآن .. فكَرتُم فى
إرسالنا إلى هُناك ، لقتلنا على أيدى هذه الألغام ، أم ماذا..؟
وانفجرنا ضاحكين ..!
وأسرع وكيل الوزارة يقول :
– بل لتفكروا أنتم
معنا فى قتل هذا الشر هناك .. ؟ وضحك..
فقلت أنا لأستوضح :
– لكن الجيوش
الأوروبية ، فى تلك الحرب العالمية ، قاتلَت كل منها هناك ، عدواً ظاهر على سطح
الأرض ، أما عدونا نحن ، فمُختبىء تحت سطح الأرض ، فبأى سلاح نُقاتله ؟
قال الوكيل :
– بسلاح الفكر ..
بسلاح الإبتكار .. ألستُم شباب مُفكرين ، نوابغَ ، ومُبتكرين ؟!
وأضاف :
– نعم .. حاربنا هذه
الجيوش الأجنبية بعضها بعضاً ، هُناك ، ثم بعدئذ تصالحت ، ونفضت سلاحها من أيديها
، ثم تناست سلاحاً ، من أخطر الأسلحة ، دفنته تحت رمالنا ، ورفضت حتى إعطائنا
خرائط ترشدنا إلى مواقع هذه الألغام المُخبأة والمُدمرة !
لذا
إستمر قتل الأبرياء ، من أبنائنا البدو الرُّحَلْ ، كما إستمر قتل الأمل فى
إستثمار هذه الأراضى الكنز .. وعندما تزورون المكان ، وتشاهدُون المُشكلة على
الطبيعة ، لا شك أن هذا سيثيركم ، ويحفز مواهبكم للقضاء على هذه الألغام .. المُصيبة
!
وبدأنا رحلتنا إلى العلمين ، وقد إنضم إلى
مجموعتنا الشبابية الصغيرة ، مجموعات أخرى ، من شباب الموهبين ، وحتى أطفال عباقرة
، مثل الطفل ( محمود ) ، نابغة الرياضيات ، والذى لم يتجاوز عُمره الخامسة ، والذى
فى إستطاعته ، ضرب أى عدد فى عدد آخر ، ليكون حاصل الضرب بالملايين ، ومن الذاكرة
وحدها ، وفى زمن لا يتجاوز دقيقة واحدة ودون إستخدام أى ورقة وقلم ، أو آلة حاسبة
..!
ثم مجموعات أخرى ، من شباب المُخترعين ، ممن
لهم إبتكارات عديدة ، مُعقدة ، من وزارة البحث العلمى ، مثل إبتكار ( فلاتر )
لتنقية الهواء من الغازات ، والمواد الصَّلبة ، ومثل إبتكار مُحرك سيارة ، تعمل
بالهواء المضغوط مع البنزين والغاز ، ومثل إبتكار حزام سيارة ضد حوادث الغرق إلخ
..
وكان صاحب الإختراعات هذه ، شاب إسمه ( عوض
حسن عبد الغفار ) . ثم ونحن فى السيارة الكبيرة المكيفة ، وعند وصولنا إلى منطقة
العلمين ، برز أمامنا واقفاً ، فى مُقدمة السيارة، المُشرف الذى راح يُحدثنا فى
مكبر صوت ، ويذكرنا.
– تصوروا .. يا شباب .
هذه الأراضى الشاسعة ، التى تشاهدونها الآن من النافذة ، شمالاً ويميناً ، كانت ( سَلَّة
) غذاء لكُل العالم المُتحضر قديماً ..! الحضارة الرومانية على سبيل المثل..
والآن هذه الأرض هى مُجرد مصيدة لشراك الموت
، ولألاف المصريين ، الذين راحوا ضحية هذه الألغام .. تصوروا أكثر من ( 23مليون
لغم مدفون .. هنا .. أنظروا .. ! أى بمُعدل لغم لكل ثلاثة مصريين ..!
سأله أحدنا بعد أن رفع يده :
– ولماذا لم تطالب حكومتنا
، تلك الدول ، التى زرعت هذه الألغام ، أن تزيلها على حسابها ؟
– طالبنا مراراً
وتكراراً ، ورفضوا حتى المعاونة ، بإعطائنا الخرائط ، لحقول هذه الألغام كما
تعلمون !
ثم إستدرك قائلاً :
– على فكره .. لاحظوا
.. حتى لو أعطونا هذه الخرائط الآن ، فلن تفيدنا تقريباً ، إذ صار يصعب التعرُّف
على أماكن هذه الألغام ، بعد أن تحركت بفعل الزمن ، مع تحرُّك الرمال والرياح،
وهطول الأمطار والسيول ، التى تنهمر فى هذه المنطقة، فى فصول مُعينة من السَّنة
..!. ثم قال قبل أن يعطينا ظهره ويجلس :
– الآن البركة فيكم يا
شباب العرب ..!!
***
وصلنا إلى الفندق الوحيد الكائن فى منطقة
العلَمين ، منطقة رائعة ، تثير الخيال ،
وتملُك بجدارة ، جاذبية سياحية كُبرى..!
وجديرة
أيضاً ، بإقامة عشرات الفنادق فيها ، لا فندق واحد يتيم ، مُزدحم بالزوار والأجانب
، رأيناهم من المدنيين والعسكريين ، هُم زملاء وأقارب القتلى ، من جنود الحرب
العالمية الثانية ، ورُحنا نتأمل مساحات هذه المنطقة ، التى كانت مسرحاً لقتالهم
الضارى ، والذى إستمر سنوات ، وبرعت فيها حيل وعبقريات ، عقول مُفكرة بالكر والفر
، حتى تم أخيراً إنتصار أحدهما على الآخر ..
وتسلل إلى عقلى سؤال :
( تُرى هل تنتصر عقولنا نحن حقاً ، على جيوش
هذه الألغام ؟!
ولم ننم ليلة وصولنا إلا قليلاً ، فقد
زاحمنا التفكير طويلاً ، وملأنا الشوق لرؤية صحراء الموت غداً ، أقصد حقول الألغام..
وفى الصباح .. باكراً .. أقلتنا السيارة
الكبيرة إلى المقابر الشهيرة لجنود الحرب القتلىَ ، وهناك رأينا شواهد قبورهم
البيضاء المُتراصة ، صفوفاً صفوفاً ، مُمتدة ، ومُتوازية ، وطويلة، إصطفت مثل
أصحابها ، عندما كانوا أحياء ، يقفون فى وضع إنتباه ، أمام قادتهم ..!
كانت مقابر مُنتشرة فى مساحات شاسعة ، ومُنسقة
ونظيفة ، بممرات مُستقيمة ، لا تخلو من نباتات الصحراء المُزهرة.
وكانت الصحراء ، المُحيطة ، بلونها الذهبى ،
وغموضها الساحر تغرينا بالسير المنطلق على رمالها ، لولا هذه اللافتات الكثيرة المُحذرة
بعدم الإقتراب ..!
لكن جمال الصحراء وسحرها الغامض الفتان ، فرض
علينا الحديث عنها فرضاً ، رغماً عنا ، بإعتبارها كنزاً ومحيطاً شاسعاً فى لون الذهب
، لكن المرء يقف أمامه الآن عاجزاً ، لا يستطيع الإقتراب منه ، وإلا كان مصيره
التدمير أو العجز ، عندما يتفجر فيه لغم ، أو قذيفة مُخبأة ترقد فى إنتظار من
يقترب ..!
قالت
زميلتنا هُدى بأسف ، وهى تتمشى معنا وتتطلع بعينيها ، فى المدى البعيد الساطع ،
تحت أضواء الشمس :
– هكذا قُدِرَ ل ( 2
مليون ) فدان من الأرض بالعجز ، عن تقديم
أى فائدة للوطن ، لا فى مجال الزراعة ، أو الصناعة ، ولا حتى فى مجال السياحة ..
لماذا ؟!
أضافت كأنما تذكرت مُستغربة :
– حقا .. لماذا حتى
العجز فى مجال السياحة ؟! .. أليس يمكن إقامة فنادق كثيرة هنا .. ومزارات ، و (
بانوراما ) لتلك الحرب القديمة ، كما فعلنا ، ( بانوراما ) ، لحربنا الحديثة ، فى
أكتوبر 1973..!
نعم .. مشاريع كهذه ، يمُكن أن تدر علينا
ذهباً كثيراً ، من السياحة ..
إنضم إلينا المشرف ، الذى كان يستمع ، وهز
رأسه وهو يقول:
– لك حق يا أنسة ..
هذه المشاريع السياحية ، كان يُمكن أن تكون عوضاً عن مشروع مُنخفض القطارة ، الذى
تعطل بسبب هذه الألغام ، وعوضاً عن إقامة سد أو سدود ، لإستغلال مياه السيول
والأمطار
لك حق يا أنسة …
– أنا إسمى الآنسة هُدَى
..
– لك حق يا آنسة هدى
..!
ثم أضاف المشرف يقول بأسف :
– ليت
الألغام وحدها هُنا .. بل المُتفجرات والقنابل التى لم تنفجر ، ثم الألغام الوثابة
التى لا تنفجر إلا بعد وثوبها فى الجو لمسافة أمتار ، لتصيب القريب منها والبعيد
..!
وفى صباح اليوم التالى ، زُرنا متحف العلمين
، وشاهدنا وقائع الحرب المُختلفة ، وأنواع الأسلحة ، وأنواع النياشين ، التى كانت
تُثقل صدور القادة الحربيين ، ذوى الوجوه المُتجهمة، كما كانت تنطق بذلك صورهم المُعلقة
وتماثيلهم المُنتصبة ..!
وفى اليوم الأخير لنا فى هذه المنطقة، وقبل
توجهنا إلى مكتبة الأسكندرية ، شاءت مجموعتنا الشبابية الصغيرة – التى تضمنى أنا
وهدى وأحمد وكريم وخليل – أن تجازف بمغامرة فى الصحراء ..
وقد شجع على هذه المُغامرة ، عدم حضور المُشرف
معنا لمُرافقته المجموعات الأخرى فى منطقة بعيدة عنا .
وكان المشرف على أى حال ، مُطمئناً على أننا
لن نجرؤ بالإقتراب من الأماكن المحظورة ، أى المسكونة بخطر الألغام.
وأثناء سيرنا فى الصحراء ، إلتقينا بفتى من
فتيان البدو ، من سُكان هذه المنطقة ، وقدم له أحدنا فطيرة كانت معه، فتحدث معنا
بود ، وأفادنا بمعلومات كثيرة مهمة عن الصحراء.
ثم عرفنا منه نوعاً من نبات الفطر كُنا
نجهله ، يوجد مدفوناً تحت الرمال ، ليس له ساق أو أوراق ، ويُباع للأغنياء وحدهم،
بأكثر من ألف دينار ثمناً للكيلو الواحد !
فسألناه :
– لماذا ؟ وما إسم هذا
الفطر ؟
– إسمه ( الفجع ) ..
إنه لذيذ الطعم جداً ، ألذ من لحم الضان..! وغنى جداً بالفيتامينات والأملاح
المعدنية ، ويسمونه أيضاً ( غذاء الملوك ) .. وهو فى لون البطاطا ، ولكن بحجم أكبر
..
وأضاف الفتى البدوى :
– لكن ليس من السهل
العثور عليه ، إلا بدليل يشير إليه .
فسأله زميلنا خليل :
– وما هذا الدليل؟
فشرح له الفتى البدوى :
– عندما تشاهد خربشة
وحُفراً على سطح الرمل ، تُدرك أن هذه الخربشة ، وهذه الحُفر ، من أثر البحث التى
تقوم به الفئران ، سعياً وراء ( الفجع ) ، مجذوبة برائحته التى تعرفها هى فقط ..!
وانجذب خليل ، كما تنجذب الفئران ، سعياً
وراء (الفجع)، متصوراً أنه شاهد خربشة على الرمال ، واندفع مُبتعداً عنا مسافة فى
الصحراء ، برغم التحذيرات التى صدرت منا ومن الفتى البدوى الخبير بالتجربة على
أرضه ..!
ولم نلبث أن سمعنا دوىَّ إنفجار ، هز
الصحراء كلها كما تصورنا ، مصحوباً بسحابة من الرمال ، إنطلقت من الأرض ، كقذيفة ،
حجبت عنا رؤية خليل ، الذى كان قد سقط على الأرض ، غارقاً فى دمائه ..!
أسرعنا نحمله ، ثم رأينا السيارة الكبيرة ، تتجه
إلينا مُسرعة وبها زملاؤنا ، والمشرف على الرحلة ، وسارعوا بحمل خليل إلى أقرب مُستشفى
، حيث أجريت له عملية عاجلة ، فى ساقيه .. وعرفنا أن الأطباء هناك مُستعدون لمثل
هذه العمليات المتوقعة .
وكان هذا الحادث سبباً فى زيارة سريعة إلى
مكتبة الأسكندرية فى اليوم التالى ، زيارة لم تستغرق إلا ساعة أو بضع ساعة ،
أهدونا خلالها ، بعض الكتب العلمية الحديثة ، وقدروا مشاعر توترنا ، المشوبة بالحُزن
، من أثر الحادث الذى وقع لأحد زملائنا .
***
بعد مُضى عام ، من قيامنا بتلك الرحلة ،
توصلت مجموعتنا الشبابية الصغيرة ، إلى نتائج مُبهرة واعدة ، فى مسألة الألغام، بصحرائنا الغربية..!
وعندما تأكد لنا صحتها ، وضعنا هذه النتائج
فى إطار مشروع أطلقنا عليه :
( المشروع القومى للقضاء على الألغام ) ..!
وفى وزارة البيئة، ، جلسنا أمام عالم مصرى
كبير ، فى قاعة خاصة ، عرفنا فيما بعد ، أنه الدكتور ، طارق عبد الرءوف البشير ..
لم يصبر الدكتور طارق ، حتى يطلع على تفاصيل
مشروعنا ، فأخذ يحدق فينا ، مُرَحِباً ، منشرحاً ، كإنشراح أب فاز أبناؤه جميعا
تواً ، بجائزة ( نوبل ) ..!
سألنا مُتشوقاً لسماعنا :
– بإختصار .. إحكوا لى
يا شباب : لقد سمعت عن إنجازكم عندما حدثنى أحدكم بالتليفون .. أولاً قولوا لى : كيف
توصلتم إلى رسم خريطة لحقول الألغام هناك؟
– أذكروا لى أولاً هذه
النقطة ..!
إلتفت إلى رئيسة فريقنا ، وقلت :
– إذن قولى أنتِ يا
أنسة هدى ..!
– بل قل أنت يا نبيل
..!
– بل أنتِ يا هدى .. ألستِ
أول من لفت أنظارنا ، إلى النبات إياه .. ونحن هناك فى الصحراء .. وكان هذا النبات
مفتاح البحث الذى أجريناه ، معاً ، خلال العام .. الخلاصة هيا ، قولى..!
إبتسمت هدى ، واستدارت بوجهها إلى الدكتور
طارق البشير ، وقالت :
– نعم .. البداية حين
كُنا فى صحراء العلمين ، وكان يرشدنا فتى من البدو ، إلتقينا به ، وحين لاحظت أنه
يقودنا مُتعمداً ، فى ممرات بعينها ، كانت تحفها نباتات ، ذات أوراق خضراء متجنبا
السير بنا فى ممرات عداها تحفها نباتات بألوان مختلفة .. مما دعانى إلى سؤال هذا الفتى البدوى .
لماذا يتعمد السير بنا ، وسط هذه النباتات
ذات اللون الأخضر فقط ؟
فقال لى الفتى ، جُملة واحدة غامضة 🙁 لأن
السير هنا أمان)
وكانت هذه الجملة ، هى مفتاح التفكير .. ومُنذُ
هذه اللحظة بدأنا البحث..! وتوصلنا إلى أن هناك نباتات يُمكن زراعتها فى حقول
الألغام ، ويمكنها إرشادنا إلى وجود هذه الألغام ..!
فسأل الدكتور طارق وهو يبتسم :
– كبف ترشدنا هذه
النباتات إلى وجود ألغام .. هل لها إصبع ، تشير به إليهم ؟!
–
بل لها لون .. هذا اللون .. ليس لونها الأخضر الطبيعى .. فهذا النبات ، عندما
تتلمس جذوره جسم اللغم ، تحت الرمل ، تتغير ألوان أوراقه ، فتصير من الأخضر ، إلى
الأحمر القرمزى..!، وإذن لو قمنا بزراعة ، حقول الألغام ، بهذه النباتات ، برش
بذورها بالطائرات .. لأمكننا أن نرى بوضوح، خريطة الألغام ، وقد إصطبغ لونها
باللون الأحمر القرمزى .. وهو لون أوراق النبات بعد إكتشافه للألغام! .
صفق الدكتور العالم ، مُبتسماً فى سعادة ،
ثم سأل مرة أخرى فى ود :
– ثم ماذا يا أنستى؟!
فقالت هدى ، وهى تبتسم أيضاً :
– فقط .. هذه هى
الخريطة ، وقد وضحت أمامنا بالألوان ..!
فقال الدكتور ، العالم ، وكأنما يهمس بصوت
لا يريد أن يسمعه أحد سوانا .. مُحدقاً فى وجه هدى :
– تعنى اللون الأحمر
القرمزى ، لهذا النبات الجاسوس ، الذى عندما يشعر بوجود اللغم ، يختبىء بجواره تحت
الرمل ، فيُسارع بإخبارنا عنه ، عن طريق هذا اللون .. أليس كذلك ؟!
فقالت هدى :
– نعم .. وبخلاف هذا
النبات الجاسوس .. ! هناك نباتات أخرى، توصلنا إليها ، مثل نبات ( السكران ) ونبات
( البنجر) ونبات ( التبغ ) .. هذه
النباتات ، لها القدرة على إمتصاص مادة ال ( تى – إن – تى ) المُتفَجرة ، داخل
اللغم ، ويمكن رش بذورها بالطائرات أيضاً ، على حقول الألغام ، فى موسم الأمطار ،
أو رش أنواع من البكتيريا ، لها القدرة على تحليل الحديد ، المُحيط بالمادة المُتفجرة
، ( تى – إن – تى ) داخل اللغم ..!
ثم أضافت هدى :
– المُهم .. إننا
عرفنا الخريطة ، لحقول الألغام .. لكى نوجه السَّهم ، إلى هذا الشر المُختبىء لنا
تحت الرمال ..!
فتظاهر الدكتور طارق .. بأنه سارح بخياله ،
وهو يبتسم ويقول ، وكأنما يكلم نفسه ، ولا يُكلم أحداً منا :
– نعم .. يا شباب
وبهذا يُمكننا القضاء على مزارع الموت ، لتحيا مزارع الخير ، فى هذه الأرض الشاسعة
، الممتدة (2 مليون) فدان ، وتوفير ( 150 ألف ) فرصة عمل للشباب ، وتربية ( 500
ألف ) رأس ماشية فى السنة الواحدة..!
وأكملت أنا لأقول:
– كما يُمكننا إستخراج
البترول ، ومعادن الذهب والفضة والنحاس والفوسفات ، والمُحافظة على أنواع
الحيوانات والزواحف النادرة، المُعَرضة لخطر الفناء الآن ..
وفى نهاية اللقاء..
فجر لنا الدكتور طارق البشير ، مُفاجأة ،
عندما قال:
– أبحاثكم هذه يا شباب
، صحيحة مائة فى المائة ، وقد توصلت إليها أنا أيضاً ، أنا المصرى مثلكم ، مع فريق
أمريكى شاركته البحث فى إحدىَ الولايات الأمريكية ، لتنفيذ مشروع من المشروعات
التى تهدف إلى القضاء على الألغام فى العالم ..!
ثم أضاف :
– عموماً .. حقكم من
الدولة ، تكريم خاص وعظيم ..!
ولكننا .. وكأننا لم نسمع لما قاله .. فقد كُنا
مُمتلئين بنشوة تكريم أعظم، هو نجاحنا فى أبحاثنا .. وفى عملنا ، وكان هذا يكفينا
..!!
إنتهت