رسام يخترع الباخرة!
نشأ (روبرت
فلتن) في مدينة (بنسلفانيا) بأمريكا، ومات أبوه وهو صغير، فساءت حاله وحال أسرته،
واضطر إلى الإنقطاع عن المدرسة،
وبدأ يتردد
على أحد المصانع في المدينة، ويراقب العمال وهم يقومون بأعمالهم، وكان ذكياً، ففهم
كثيراً مما يعملون، وكان لطيفاً، فلم ينهروه أو يطردوه وهو يمطرهم بأسئلته الكثيرة
عن كل ما يراه،
وحين بلغ
التاسعة من عمره، صنع زورقاً ذا عجلات تدور ببدَّال كبدَّال الدراجة، وتُغني عن
المجداف والشراع،
ولما شب
وأدرك ما عليه من واجبات نحو أسرته التي تركها أبوه بلا عائل، أخذ يعمل ليعولها،
وكان
ميَّالاً إلى الرسم، فصار يرسم صور الأغنياء، والمناظر الطبيعية، وتصميمات المنازل،
والآلات ، والعربات، ويبيعها،
ثم سمع عن
مدارس الرسم والفن بإنجلترا وفرنسا، فرغب في زيارتها والدراسة فيها، وكان قد بلغ
الحادية والعشرين، فاشترى مزرعة لأمه وإخوته، ثم سافر وحده إلى إنجلترا في مركب
شراعي،
وكان سفره
هذا، وما قاساه في أثنائه من تعب، وتعرُّضه للخطر، دافعاً له على التفكير في وسيلة
لتحسين السفن، وتسهيل ركوب البحر،
ولكنه حين
وصل إلى إنجلترا، إنهمك في دراسة الرسم، ونسى ما عداه، حتى قابل(جيمس وات) مخترع
الآلة البخارية، فعاد يفكر من جديد في البخار، وفي إمكان تسيير السفن به بدل
الشراع،فترك الرسم، ومضى يدرس صناعة السفن، وقوة الريح والماء،
ثم سافر
إلى فرنسا، وهناك بنى أول سفينة تسير بالبخار، غير أنها غرقت في نهر السين، على أن
هذا الإخفاق لم يؤثر في عزيمته، فواظب على تجاربه بجد ونشاط،
وقامت حرب
بين فرنسا وإنجلترا. في ذلك الوقت، وجه (فلتن) عنايته نحو إختراعات حربية جديدة،
وفكر في بناء سفينة تسير تحت الماء، لا فوقه، وتطلق قذائفها وهي مستورة، فتصيب سفن
الأعداء،
وعرض هذه
الفكرة على الحكومة الفرنسية، فشجعته، ومنحته شيئاً من المال ليبني هذه السفينة،
التي سميت فيما بعد بإسم (الغواصة)،
وبعد أن
أتم بنائها أثبتت التجربة أن قذائفها لا تصيب الهدف، فتخلت الحكومة الفرنسية عن
تشجيعه،
وانتهزت
إنجلترا هذه الفرصة، فدعته إلى زيارتها، فقبل الدعوة وسافر، وهناك بنى غواصة جديدة،
أكمل فيها النقص الذي كشفت عنه تجربة الغواصة الأولى، فنجح، وكوفىء،
ثم عاد إلى
وطنه أمريكا، ومعه إحدى آلات (جيمس وات) البخارية، ومضت فترة طويلة قبل أن يعلن أن
زورقاً بخارياً سوف يقوم برحلة في نهر (هندسن) مبتدئاً من مدينة (نيويورك)،
وتجمع
الناس ليشهدوا هذا الحدث، وهم يسخرون من (فلتن) ومن آلته البخارية التي يزعم أنها
تغني عن المجداف والشراع،
ووقف الناس
يتندرون ويضحكون، ثم إختفت سخريتهم، واستولى عليهم العجب، حين رأوا السفينة تتحرك
أمامهم، وتغيب عن أنظارهم، تُسيرها الآلة البخارية،
ولم يمض
زمن طويل، حتى شقت السفن البخارية مياه الأنهار والبحار والمحيطات، حاملة الناس
والأمتعة بين قارات العالم، وفي سنة 1814 بنى (فلتن) باخرة حربية تحمل 44 مدفعاً،
وفي العام التالي شرع يبني غواصة، ولكنه مات قبل أن يتمها،
وإلى هذا
العالم العبقري يعود الفضل في ظهور هذه السفن الحديثة، التي كأنها مدن عائمة،
فطولها بلغ مئات الأقدام، وفيها المطاعم، والمخازن، والسينما، والمسرح، وحمام
السباحة، وتحمل آلاف الركاب، ومئات الأطنان من البضائع،
إن سفينة
(فلتن) الأولى كانت صغيرة جداً بالنسبة لسفن اليوم، ولكن بواخر اليوم العظيمة هي
من أحفاد تلك السفينة الصغيرة التي صنعها ذلك المخترع العظيم (روبرت فلتن)!