قرأ خليل إعلاناً فى الصحف يقول :
(
مطلوب خبير أشجار ، للعمل فى مطار )
وعندما
قرأ خليل ، تفاصيل الإعلان ، عرف أن العمل ، سيكون فى أحد مطارات دولة إفريقية مُتقدمة
.
وحين
عاد إلى البيت ، قال لوالده ، وكأنما يُلقى
لُغزاً :
– أبى
.. مطلوب خبير أشجار للعمل فى مطار …!
فقال أبوه :
– وماذا فى ذلك ؟ ..
هذا ليس عجباً ..
وكأنما إطمأن خليل لهذه الإجابة ، فقال :
– أبى .. ألست ترانى
.. أنا .. أولىََ بهذه الوظيفة .. فأنت تعلم مدىَ حُبى للأشجار .
فقال والده :
– نعم .. أكيد .. لكن
مع حُبك للأشجار ، ينبغى أن يكون لك حُباً آخر .
– حُباً آخر ! ماهو يا
أبى ؟
– هو شىء يُميزك عن
غيرك ، لتفوز بهذه الوظيفة . فالحُب وحده لا يكفى .
– فهمت قصدك يا أبى ،
، تعنى المعرفة بالأشجار ، والمعرفة عموماً بالعمل ، الذى توَد أن تعمله .. أليس
هذا ما تُريد قوله ، إطمئن .. يا أبى ..
ولَدَىَّ شىء آخر : ثقتى فى نفسى .
– إذن توكل على الله
.. تقدم لهذه الوظيفة ..!
.. وفى يوم المقابلة
الشخصية ، فى سفارة الدولة المعلِنة عن الوظيفة ، جلَس خليل أمام رجُلين يُناقِشانه
، بعد أن سبق وقبلوا أوراقه ، التى تقدم بها للوظيفة ، من حيث المبدأ .
أظهر
الرجُلان له بشاشة فى بداية اللقاء ، بقصد ألا يشعُر بأنَّهُ أمام لجنة إمتحان
صارمة .
قال له أحدهما باسماً :
– عزيزى الشاب .. لو
سألك سائِل ، ما علاقة المطار ، والطائرات ، بالأشجار والغابات .. فماذا تقول له ؟
فقال
خليل ، وقد سَعِدَ فى سِره ، مُتصوراً أنَ الإجابة على هذا السؤال ، فى مُنتهى
السهولة !
– أقول … إنها علاقة
ضرورية .. إذ يجب أن تحيط أشجار الغابة بنطاق المطار ، كما تُحيط الإسورة بمعصم
اليد ، وكما يُحيط العقد برقبة المرأة ..!
فابتسم الرجل وقال بخُُبث :
– تقصد أشجار الغابة ،
يجب أن تحيط بالمطار ، من أجل الزينة كما الإسورة فى المعصم والعُقد فى جيِد
المرأة ؟!
– لا .. ليست الأشجار
للزينة فقط ، وإن كانت الأشجار بحد ذاتها هى زينة ، بل إنها ضرورة واجبة ، فعندما
تتنفس الأشجار، تنشُر حولها ( الأُكسجين ) ، تبثُّه فى مُحيطها ، فتنقى الهواء
حولها ، وتُجدده ، كما تقوم بإمتصاص ، غاز ثانى أكسيد الكربون ، السام الذى تنفثه
الطائرات ، المحلقة والهابطة ، فى أجواء المطار .
وسألهُ الرجُل الثانى فى ود :
– هذا الكلام جيد ،
لكنه معروف لنا جميعاً ، هذا دور الأشجار فعلاً ، لكن ما هو دورك أنت كخبير أشجار
يعملُ فى المطار ؟!
– دورى أنا هو عدم
السماح مُطلقاً ، بقطع شجرة واحدة من أشجار الغابة المحيطة بالمطار ، لأن الشجرة
بلونها الأخضر نافع ومُفيد ، ودورى أيضاً .. عدم السماح لشجرة ، أن ترتفع إلى حد مُعين
.
فسأله مرة أخرى الرجُل الثانى ، مُتظاهراً
بالدهشة :
– لماذا ؟ .. لماذا لا
تسمح بشجرة أطول من إرتفاع مُعين ، ولشجرة أقصر من طول معين ؟
فقال خليل :
– الشجرة الأطول ، ليس
خوفاً من تهديدها للطائرات فقط ، بل خوفاً من تهديد الطائرات بضجيجها للطيور ،
التى تبنى أعشاشها فوق قمم هذه الأشجار ..!
فتظاهر الرجُل الأول بأنه يُصفق براحتيه ،
لهذه الإجابة ، ثم واصل الإستماع إلى خليل :
– لأنها طيور بريئة
وحمايتها فى رقبة الإنسان ..!
أما
عدم سماحى بأشجار ، أقل من إرتفاع مُعين ، فذلك ، لكى لا يُسبب إنخفاضها الشديد ،
الرُّعب فى قلوب الطيور الآمنة فى أعشاشها ، عند رؤيتها للفئران ، وهى تزَّحف على
الأرض ، خلال الليل والنهار ..!
فصفق الرجُل بيديه مرة أخرى تصفيقاً خفيفاً
، والتفت الرَّجُل الآخر ، وكأنه يهمس ، وقال :
– عندما
يحترم إمرء مشاعر طير ، فهو يخبر عن حقيقة نفسه الخيرة ، دون حاجة إلى كلام كثير
..!
فأومأ الرجل الآخر برأسه موافقاً ، وهو لا
يزال مُحتفظاً بصرامة وجهه ، ثم وجه هو سؤالاً إلى خليل :
– والآن
.. يا صديقى .. لماذا أنت إخترت العمل فى أفريقيا ، وليس فى أوروبا ، كما يتهافت
الكثير جداً من الشباب ؟
–
لأنى مصرى عربى إفريقى ، ولأنى أشعر بخوف على البيئة فى بلدى ، وفى وطنى الكبير
أفريقيا !
فقال الرجُل الأول لخليل مُنهياً هذه
المقابلة :
– شكراً لك .. تفضل
وانتظر خطابنا .
– أثناء إنصرافه ..
لاحظ قبل خروجه من السِّفارة العدد الكبير، الذى يجلس فى حُجرة الإستقبال ، من
المتقدمين لهذه الوظيفة . منهُم من هو
أكبر سنا ، أو أكثر وجاهة ، أوأجمل مظهراً ، ورُبما أكثر منه ثقافة وعِلمَاً .
وشعر بأنه ، رُبما لا يكون هو الذى سيقع
عليه الإختيار .
وتأكد له هذا الشعور كُلما مضىَ يوم وآخر ،
وأسبوع وآخر ، ولم يصلُه الخِطاب ، الذى وعدوا بإرساله إليه .
ووصلُه الخطاب أخيراً ، وفضُّه بلهفة ، وكَرر
قراءة هذه العبارة بالذات أكثر من مرة :
– ( مبروك .. تم إختيارك صديقاً للبيئة ، مع
تعيينك عضواً فى مجلس إدارة المطار ) !
إنتهت