الفتى الكريم

 

 
بإحدىَ قُرى الجنوب بصعيد مصر ، عاشت أُسر
الأصدقاء الثلاثة :

      ( كريم وأحمد وخليل ).

      ذات
يوم  … سقطت شجرتهم العجوز … العزيزة
.. كان لسقوطها دوي .. كما لموت أحد الآباء ، أو أحد الملوك العِظَام.

     بكىَ العجائز ، من أصحاب الشَّجَرة . .. أما
الأبناء ، فقد واجهوا الحادث بالدَّهشة .

كانت
الشجرة أماً للجميع ، تطرح ظلها ، وتفرشه فى دائرة واسعة على الأرض ، وتطل بفروعها
على كل بيت حولها، وبفروعها الكثيفة .. تحتضن المنازل ، والأطفال والحيوانات
كالكلاب والماعز والقِطط..

كما
تحتضن سائر الطيور الداجنة ، كالدجاج ، والبط والأوز ، وغير الداجنة ، كالغربان
والبوم ، وأبى قردان .. وكانت الشجرة ملاذاً للجميع …. تحميهم من الحرارة
الشديدة فى قيظ الصيف ، كما كانت ملجأ للغرباء ، للراحة فى أثناء مرورهم وسفرهم ،
وعبورهم لنهر النيل ، الذى يقع شاطئه ، على بُعد خطوات قليلة .

     وفى ظِل هذه الشجرة كانت تمتد الموائد ، فى
المناسبات وفى الأعياد ، فيأكل الفُقراء والغُرباء وأبناء السبيل .. فى رحابها
بالنهار ، يكون اللقاء ولعب الأولاد ، الكِبار منهم والصِّغار … وفى أثناء الليل
، يكون السَّمَرْ والسهر والدُعاء.

     قرب الفجر .. تطلق الطيور ، كبيرة الحجم ، صَيحاتها
مُدوية ، وترفرف بأجنحتها ، فرحة سعيدة ، عند قِمة الشجرة ، فينهض الرجال ،
للعبادة ويستعدون للعمل.

وتنهض
الأمهات مع أطفالهن ، بحثاً عن ثمار التين والجوافة ، وغيرها من ثمار الفاكهة ،
التى تجلبها معها ، هذه الطيور، من البساتين القريبة والبعيدة ، وتتركها تسقُط من
مخالبها ، لتقع على الأرض ، فوق الأوراق الجافة ، المتناثرة ، ويلتقطها الأطفال،
فرحين ، مع أُمهاتهم .

     تعجب بعض الغرباء ، وتساءلوا :

– لماذا
يحزن أصحاب هذه الشجرة لسقوطها ، كل هذا الحزن؟

أجاب
عن تساؤلهم ، كريم ، عند سماعِهم :

– هذه الشجرة تُسمَّىَ
شجرة ( النيم ) ، وهى ثروة وصيدلية ، وصديقة لكل سُكان الحىّْ ، والقرية ، وعزيزة
علينا ، خاصة نحن الأولاد ، إذ جعلت هذه الشجرة من بيئتنا بيئة صالحة ، وصحية مائة
فى المائة .

– كيف تكون هذه الشجرة
ثروة ؟ .. وما الفرق بينها وبين الأشجار المنتشرة فى سائر القُرى والمزارع ، وعلى
حَواف الترع، والطرق الممتدة وسط الحقول ؟

– هل سمعتُم عن شجرة
تصيب البعوض فى مقتل ؟! .. وتجعل الذباب يعجز عن الطيران ، وتقضى على جميع أنواع
الهوام ، والحشرات الضارة ، المنتشرة فى الجو…؟ . وتجبر الفئران على الهرب ،
وكذلك العقارب والثعابين .. هذه الشجرة تفعل كل ذلك ..!

      أما عن كونها ثروة ، فاسألوا عنها تُجار العِطارة
، فهُم يُجففون أوراقها ، ويسحقونها ، ويبيعونها بالميزان ، مسحوقاً ثميناً ،
كالدقيق ، ينثره الفلاحون فى الأرض ، فيخصب التربة ، ويقوى الزرع .

     وينثرونه على الحبوب ، فيحفظها من العَطَب
والتَلف والتسوس… مما يُغنيهم عن الكيماويات والمبيدات السامة .

وعندما
تساءلوا أيضاً :

– وكيف تكون هذه
الشجرة صيدلية كامِلة ؟

أجابَ
كريم :

– لأَن عِطارتها ، من
مسحوق أوراقها ، وفروعها ، تُعالج أخطَّر الأمراض ، مثل الحُمَّىَ ، والروماتزم ،
والجُزام ، وألام الصُّداع، وتقرُّحات الجلد ، وأوجاع المعدة ..!

أما
زيوتها ، فحدثوا عنها ولا حرج ، فهى تُقوى فروة الرأس ، وتزيد من لمعان الشَّعَرِ
وتقوى من جذوره ، وتحفظ فروة الرأس..!

     أما جذوعها فتخصِّب التُربة ، وتمد النبات
بالغذاء .

     عقب سقوط الشجرة وقف الأبناء الثلاثة ،
الورثة ، وأمامهم على الأرض ، تمدد جسم الشجرة ، فى حُزنهم عليها إتفقوا، لكن فى
أرائهم عنها إختلفوا ، قال خليل بحماسة ، وانفعال :

– أخشاب
هذه الشجرة ، لا يجب أن تُحرق أو تُباَع ، بل تُرفع كمساند ، وعوارض لأسقف البيوت
، لكى تكون فوق العيون والرءوس كما كانت ..!

وقال
أحمد :

– بل يجب أن تُباع ،
أخشاب هذه الشجرة ، لكى ننتفع نحن بثمنها ، وينتفع الفلاحون بمسحوق أوراقها ، وأخشابها
، وانضم كريم إلى أحمد فى رأيه فى أول الأمر .

     وامتد هذا الجدل طويلاً ، بين هؤلاء الأولاد
الثلاثة ، إلى أن فال كريم أخيراً !

– معقول ! ، نستمر فى
هذا الجدل ؟ .. أليس هذا شيئاً عقيماً؟ هيا نزرع شجرة جديدة ، بدلاً من تلك
القديمة ، التى سقطت وقد كان ..

– أحضِروا ( فسيلة ) ،
لشجرة جديدة ، من نوع القديمة نفسها ، وتم زراعتها فى مكانها نفسه ..

     حينئذ ، عرف الناس ، الغُرَباء خاصة ، أن
شجرة ( النيم ) أصلها بلاد الهند ، ومناطق الجنوب الحارة ، كمانِطق الصعيد.

     وسارع الناس، بجلب فسائِل ، لهذه الشجرة
وزراعتها ، فى ساحات القُرى ، وعلىَ نواصى الطرق ، وعلى رأس كُل حقل، من حقول
القرى المختلفة ، وأمام كل مدرسة فى أنحاء المحافظة.

     ونَعِمَ الناس ، فى جميع هذه النواحى ،
بإختفاء البعوض ، وهروب الفئران والعقارب، ومعها هروب الثعابين ، من أثر هذه
الرائحة القوية والنفاذة التى تبثها ، شجرة ( النيم ) ، فى مُحيطها ..!

     وسأَل المحافظ ، كبار مُساعديه ، من حوله :


بماذا نُكافىء الولد كريم ، الذى شجع الناس على زرع ونشر (صيدليات ) خضراء طهرت
البيئة ؟ .. هذا التطهير الذى لا يقوى عليه مفعول السِّحر ..! وكان الجواب على
تساؤل المحافظ هو : منح كريم ، تذكرة طائرة ، مجانية ، من قِبَلْ وزارة الزراعة ،
للسَّفر والنُّزهة ، فى بلاد الهند ، التى إختار هو زيارتها، تلك البلاد ، التى هى
الموطن الأصلى ، لشجرة (النيم).

     هذه ( الصيدلية )
الخضراء ، المتكاملة ، والعجيبة !

 

إنتهت

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top