هناك
قصص قصيرة مؤثرة نتجت عن الإستخدام الجرئ للخيال المبالغ فيه، وقد كتب
“أنتوني ترولوب” في سيرته الذاتية: كنت أبدأ دائماً للبناء قلاع ثلاثة
في الهواء، أي في خيالي، لأسابيع أو لأشهر، أو حتى لسنوات، وتعلمت من هذه الطريقة
أن أحتفظ بالإهتمام، بالقصة الخيالية وأقعد على عمل خلقته بنفسي منفردا بخيالي
الخاص، وأشك أنه لولا تدريبي ذاك .. لما كتبت كتاباً واحداً”، وما قاله
“أنتوني ترولوب” يقودنا، نحن كتاب القصة الفصيرة إلى حقيقة جوهرية لم
ينتبه إليها أحد من قبل بدرجة كافية، وهى قوة إيماننا بالقصة القصيرة التي نكتبها،
فعلى الكاتب أن يؤمن بعمق بما يقوده إليه خياله، وبما يطكتبه، وعليه أن يتدرب بشدة
حتى يوقف الشك والإرتياب وعدم الإيمان بما يفعل. عليه ألا يهتم بما يكتب فقط، بل
عليه أن يؤمن بلا جدال، بأنه يعيد خلق الحقيقة، وأن الحقيقة الخيالية في قصته هى
الحقيقة ذاتها، ولا يدع مجالاً لأحد في أن
يرتاب في غير ذلك. فإذا كتب القصاص قصته بأقصى ما يمكنه من الإيمان بعمله، فإن
القصة القصيرة ستصل إلى القارئ بالإيمان نفسه الذي كتبها به. هذا الاهتمام الحيوي
بالإيمان بما يكتب، هو نوع من الإتفاق أو المؤامرة بين الكاتب وبين القارئ، يبدأ
عادة بمعرفة النفس ليمتد بعد ذلك لمعرفة الآخرين، وبشكل عام، فإن هذه العملية
حتمية في تفييمنا لكل ما يجري حولنا، مع ملاحظة أن الحق الذي نعطيه لأنفسنا من
مشاعر التعاطف أو الفهم أو الأسف أو التقمص، لابد وأن يكون في اعتبارنا، كحق
للآخرين أيضا من أصدقاء وأحباء وأعداء، حين نلاحظهم ونكتب عنهم، فهذه هى الطريقة
الوحيدة التي تجعل القارئ يتجاوب مع شخصيات بعيدة كثيراً عن تجربته الفعلية، وبهذا
الشكل استطاع كتاب مثل “كافكا” أو “تشيخوف” أو”يحى
حقي” أو “يوسف إدريس” وغيرهما من كتابنا العرب.. أن يكشفوا لنا
جميعا أسرار وخبايا وخفايا الجنس البشري وأعمق الحقائق التي نجهلها عن أنفسنا.
وإذا كان هذا الإنغماس ناقصا. فإن قصتك ستترك في القارئ أثراً فاتراً، وربما يشعر
بالزيف والتصنع في كل ما تقول، لآنها خرجت منك بغير اقتناع عاطفي حقيقي، ويستطيع
القارئ آنئذ، بذكائه وإدراكه، أن يضع يده على هذا البرود في قصتك، ويحس النقص في
التزامك الحقيقي نحو عملك، بالضبط كما يجفل الجمهور المتذوق للموسيقى حين سماعه
نغمة شاذة من المايسترو، أو في غير موضعها.