كانت
(ثريا) فتاة فى السابعة من عمرها، تعيش مع والديها فى دار فخمة، غالية الأثاث،
بديعة التنسيق والزينة، إذ كان والدها من كبار التجار فى المدينة، وكان لها مربية خاصة،
تشرف على تربيتها، وتعتنى بكل شئ يخصها، كما كان لها معلمة خاصة، تقضى معها فى
الدار كل يوم ساعات، تلقنها كل ما تحتاج إليه من الدروس…
وكان
لها فوق ذلك كله دولاب كبير، له شكل جميل، مزركش بالرسومات والألوان البهيجة،
وتتصدره مرآة كبيرة، بإطار ذهبى منمق، كما كان يحتوى على كثير من اللعب المحبوبة،
مثل العرائس، والأفيال، والسباع، والغزلان، والقطط، والسيارات، والطائرات،
والدبابات، والبنادق، وفيه إلى ذلك طائفة
غير قليلة من الكتب المصورة، ومجموعات كثيرة من المجلات المرسومة بالألوان…
ولكن
(ثريا) مع كل هذه النعم والمقتنيات الثمينة، كانت فتاة قاسية القلب، غليظة الطبع،
عصبية المزاج، سريعة الغضب، فإذا خلت إلى نفسها لتلعب، أخذت تقذف اللعب هنا وهناك،
وتضربها، وتتأمر عليها، فلا يمر يوم دون أن تكسر لعبة من اللعب، أو تتلفها، حتى
الكتب والمجلات نفسها لم تسلم من التمزيق والتلف…
وقد
كرهت جميع اللعب والكتب والمجلات صاحبتها (ثريا)، لقساوة قلبها، وسوء فعلها، فإن
اللعَبْ والكتب والمجلات فى العادة تحب الأولاد الطيبيين، الذين يتعاملون معها
برفق، وتكره الأولاد الغلاظ، الذين يقسون عليها ويتلفونها، ومن أجل ذلك، كانت هذه
اللعب والكتب والمجلاتترتعش من شدة الخوف كلما رأت (ثريا) قادمة، لأنها كانت تعلم
أن واحدة منها أو أكثر ستنكسر، أو تتلف…
وذات
يوم، أهديت إلى (ثريا) عروسة جميلة، كأنها ملكة من ملكات الجن، لها تاج جميل،
وجناحان لطيفان، فلم تكد (ثريا) تضعها فى الدولاب، حتى تجمعت حولها سائر اللعب
معجبة بجمالها الفتان، ولكن، مشفقة عليها من شر (ثريا)، وقساوتها…
اقتربت
من العروسة غزالة لطيفة، عطوفة، فقالت لها: أيتها العروسة الجميلة، إننا نخشى عليك
ما ينتظرك -على يد صاحبتنا من القسوة وغلظة القلب.
ولم
تكد الغزالة تنتهى من تنبيه العروسة الجميلة، حتى حضرت (ثريا) بخطوات سريعة، وكانت
تبدو عصبية كعادتها، وآثار الغضب والتعب واضحة عليها، والظاهر أنها كانت فى ذلك
اليوم قد أخفقت فى الإجابة على أسئلة
المعلمة عند إعطاءها الدرس…
ولم
تكد (ثريا) تفتح الدولاب حتى أخذت تطوح باللعب والكتب والمجلات ذات اليمين وذات
الشمال فى قسوة وغلظة، فانكسرت بعض اللعب، وفسد بعضها، وتمزقت بعض الكتب والمجلات،
ولم يبق فى الدولاب لعبة واحدة سليمة، أو كتاب واحد سليم، أو مجلة واحدة سليمة، ثم
خرجت (ثريا) من الحجرة غاضبة، صاخبة…
وكانت
العروسة الجديدة قد وقعت على الأرض، فمال تاجها، والتوى جناحها، فقامت تعدل تاجها،
وتسوى جناحها، وهى تقول لزميلاتها: لن أمكث فى هذا المكان لحظة أخرى، فإنى لا أطيق
أن يتأمر على أحد، بمثل هذه الغلظة.
قالت
اللعب والكتب والمجلات جميعا فى نفس واحد: أتذهبين وتتركينا فى العذاب، أيتها
العروسة الجميلة؟.
قالت
العروسة: من أراد منكم أن يتبعنى، فليتبعنى.
فاقترب
منها أرنب صغير من لعب الدولاب، وقال لها: إن لكثير منا أقداما، يستطيع أن يمشى
بها، ولكن بعضنا – مثل الكتب والمجلات ليس له أقدام، فكيف يتبعك؟.
قالت
العروسة: إننى أعرف السحر، وأستطيع أن أجعل لكل من ليست له أقدام، أقدام كبيرة
يمشى بها.
فرحت
كل اللعب والكتب والمجلات فرحا شديدا، وفى الميعاد المتفق عليه، تجمعت فى هدوء
شديد خارج الدولاب، ثم هرب الجميع من الباب، وفى صباح الغد، ذهبت (ثريا) إلى
الدولاب، فوجدت بابه مفتوحاً، ولم تجد بداخله لعبة واحده، ولا كتابا واحدا، ولا
مجلة واحدة، فصاحت غاضبة: أين اللعب؟. أين الكتب ؟. أين المجلات؟.
وكانت مربيتها بالقرب منها، فقالت لها: لقد
ذهبت كلها، لأنها لا تطيق قساوتك، وسأذهب أنا كذلك، فإنى أريد فتاة طيبة النفس،
لطيفة، لا فتاة قاسية القلب مثلك.
فبكت
(ثريا) بكاءا شديداً، وأمسكت بثوب مربيتها وهى تقول: إننى آسفة، إننى مخطئة،
وسأكون منذ اليوم فتاة طيبة كما تحبين،
فلا تذهبى، واشفعى لى عند أبى وأمى، ليشتريا لى لعب وكتب ومجلات أخرى، أتعامل معها
برفق ولطف، حتى لا تهرب من وجهى.
ومنذ
ذلك اليوم، صارت (ثريا) فتاة طيبة، من ألطف الفتيات.
تمت