إنصرفت الأم إلى الإهتمام بشئون المنزل،
فانتهز طفلها (كريم) هذه الفرصة، وجري إلى المطبخ، ليأكل ما تصل إليه يده من حلوى
ومربيات،
ولكي يطمئن كريم إلى أن أمه لن تكشف أمره،
أغلق باب المطبخ خلفه، وأخذ يلتهم من المربى ما يشاء، ويعبث بكثير من الطعام،
وبينما هو على هذا الحال، إذ أقبلت أمه ،
تسترق الخُطا على بساط ممتد في دهليز المنزل، فلم يسمع وقع خطواتها،
وفتحت الأم باب المطبخ في خفَّة وحذر،
ووقفت تنظر كريم، وهو يعبث بالطعام، وظهره إلى الباب،
ولم ير كريم أمه بعينين، ولم يسمع صوتها
بأذنين، ولكن قوة خفية دفعته إلى أن يدير وجهه، ينظر نحو الباب،
واعترته الدهشة، حين رأى أمه واقفة بالباب
تحملق فيه بنظرات حادة، دون أن تتكلم،
ماهي تلك القوة التي جعلت كريم يلتفت إلى
الخلف؟
إنه لم يسمع حركة ما، ولم يحس بالباب يفتح،
ولكنه مع ذلك أحس بنظرات تصوب إليه من خلفه فاستدار،
إن الحواس الخمس، وهي السمع، والبصر،
واللمس، والتذوق، والشم، لم تستخدم في هذه الحالة، فكيف استطاع كريم أن يدرك أن
أحداً خلفه ينظر إليه؟
قد تقول:(لو لم تأت الأم بحركة أدركها كريم
بإحدى حواسه، لما التفت أو تنبه، وهذا تعليل قد يكون صحيحاً في كثير من الأحوال،
ولكن التجربة السابقة تثبت أن ذلك ليس هو السبب الحقيقي في هذه الحالة، وتستطيع
أنت أن تقوم بتجربة مثلها لتدرك صدق ما نقول،
حدق جيداً في ظهر زميلك الذي يجلس أمامك،
ولا تتحرك، أو تحدث صوتاً، تجده يلتفت إليك، وإذا لم تنجح التجربة في المرة الأولى،
فكررها، فإنها ستنجح حتما، وسترى زميلك يستدير نحوك، وهذا هو الإلهام الذي يجعل
الإنسان يشعر بما يحدث دون أن يراه أو يسمعه،
وهذا هو السبب في أن العلماء يقولون أننا
نملك حاسة سادسة تدلنا على الأشياء التي لا نحسها بإحدى حواسنا الخمس، سواء أكانت
هذه الأشياء صغيرة أم كبيرة،
ألا ترى كيف يسير الأعمى في طريقه مبتعداً
عن كثير من العثرات، التي يتجنبها المبصر؟
وقد دلت التجارب التي أجراها العلماء على
أن هذه الحاسة الخقية لا توجد في الإنسان فقط، فالحيوان الأعجم، والطير، والسمك،
تتمتع بمثلها،
خذ سمكة من أي نوع، وتأمل حسمها جيداص، تجد
خطاً مستقيماً يمتد من رأسها إلى ذيلها، وهو الذي ينبه السمكة إلىة ما يعترض
طريقها من أخطار تأتيها من أي ناحية،
وقد أجريت على الطيور تجارب كثيرة، ثيبت
منها وجود حاسة غريبة عندها، فقد وضعت أسماك في حوض مملوء بالماء، ولكنها كانت
تنقص يوماً بعد يوم، وبمراقبة الحوض، ظهر أن هذا النقص يرجع إلى أن طائراً يأتي كل
يوم ويخطف بعض الأسماك،
وأُمسك الطائر، وأُبعِد عن الحوض مسافة
طويلة، ولكنه بتلك الحاسة الخفية إهتدى إلى الحوض مرة أخرى، وعاد يخطف السمك،
وبعض الطيور تنتقل من مكان إلى آخر، وتهاجر
في الشتاء من بلاد بعيدة، باردة، إلى جهات دافئة، فإذا أقبل الصيف عادت إلى موطنها
الأول،
وكذلك النحل، فمهما أُبعد عن خلاياه، فإنه
يهتدي إليها ويعود إلى عشه ولو طال غيابه، وقد أثبت البحث أن الشعرتين الدقيقتين
اللتين في رأسه، توجهانه في مسيره، وترشدانه إلى خلاياه،
ولو كان للإنسان مثل هاتين الشعرتين لاستطاع
أن يميز الأشياء الخفية، وأن يعرف عدوه وصديقه من غير إختبار!.