جميل .. والبُندقية
القناصة
كان الجُندى (جميل) أقل الجنود ذكاءً.. ولا
يهتم كثيراً بسخرية زملائه والتنكيت عليه فى أوقات الراحة.. لأنه كان صبوراً..
واسع الصدر.. طيب القلب.. ولا يشغل نفسه.. سوى بتنفيذ الأعمال الشاقة التى يسندها
إليه قائدة.. كحفر الخنادق.. والقيام بتكسيتها.. وتطهيرها من الرمال…
فى أحد الأيام.. وصلت إشارة للفصيلة
بإختيار العريف (سعد).. قناص الفصيلة.. لحضور دورة تدريبية بالقاهرة لمدة شهر.. مما
سبب مشكلة عويصة للقائد.. فقد كان عليه أن يختار –عند غياب العريف (سعد) – جندى
آخر من أفراد الفصيلة لحمل البندقية القناصة.. بجانب تسليحه الشخصى.. العادى.. وهو
عبىء إضافى.. وكان لابُد أن يكون مُدرباً -تدريباً جيداً- على إستخدام هذا النوع
من السلاح.. المُخصص لقنص واصطياد الرتب الكبيرة للعدو الإسرائيلى.. الموجودة على
الضفة الأخرى لقناة السويس…
إحتار قائد الفصيلة فى إيجاد حل لهذه
المشكلة العويصة.. فالبندقية القناصة.. لا غنى عنها.. مثلها مثل باقى الأسلحة
الرئيسية فى الفصيلة.. كالمدفع الماكينة.. والقذائف المضادة للدبابات..
جمع
القائد أفراد الفصيلة.. وطلب منهم متطوعاً لحمل البندقية القناصة.. ولكن لم يتطوع
للمهمة سوى الجندى جميل…
تفاجأ القائد وأصابته الحيرة.. ولم يجد
أمامه غير التسليم بالأمر.. وإعطاء البندقية القناصة لجميل.. مع التشديد عليه بعدم
إستخدامها إلا بأمر منه…
لم يسلم جميل من سخرية زملائه.. بل إزدادت
بعد إستلامه البندقية القناصة.. حتى أن البعض حثه على إستخدامها.. وبعد ذلك.. كثرت
غيابات جميل عن موقع الفصيلة.. وفى كل مرة غياب.. يظهر عائداً من إتجاه جزيرة
الفرسان.. القريبة من موقع الفصيلة…
كان
جميل يختار فترات غيابه.. عندما يكون القائد مشغولاً بأمر ما.. بعيداً عن الفصيلة ..
وفى أحد الأيام.. إشتد قصف مدفعية العدو على جزيرة الفرسان.. بشكل غير مسبوق..
وكانت الجزيرة عبارة عن غابة من الأشجار العالية.. الكثيفة.. حتى أن النيران
حولتها إلى جحيم لا يُطاق.. إنتشر دُخانه.. ليغطى موقع الفصيلة والمواقع المجاورة..
ويصيب بعض الجنود بالإختناق…
إنتهى القصف بعد فترة طويلة.. وبعدها.. يهرول بعض جنود الجزيرة.. فى إتجاه
موقع الفصيلة.. يسبقهم الجندى جميل.. والبندقية القناصة فى يده..
يلوذ جميل بملجأ قائد الفصيلة.. داعياً
الله.. أن ينقذه من هذه المطاردة الشرسة…
إستقبل القائد جنود الجزيرة.. وقائدهم الملازم
أول.. وهُم فى حالة غضب وصخب شديدان…
إشتكى الملازم أول بأن الجندى جميل.. تكرر
تسلله إلى الجزيرة.. وإحتلاله لموقع مخفي.. ومن هناك.. يشتبك – بقناصته – مع العدو..
قبل أن يأخذ جنود الجزيرة حذرهم.. فيتوارون فى الخنادق والملاجىء.. ولولا ستر الله
لأصيب الكثير من الجنود…
يغضب قائد الفصيلة من تهور جميل.. وإقدامه على هذا العمل الحماسى.. الأحمق..
الغير مدروس.. ويعد الملازم أول بمُعاقبته.. وعدم تكرار ذلك منه فى قادم الأيام…
يسحب قائد الفصيلة البندقية القناصة من
جميل.. ويُعاقبه بالحبس فى سجن الفصيلة لمدة أربع وعشرين ساعة.. لإقترافه هذه
المخالفة الجسيمة.. ولكن.. تصل إشارة للفصيلة.. بطلب عرض قناصها على قائد الفرقة فوراُ..
ومعه قائده المباشر…
يندم قائد الفصيلة -ندماً شديداً-
لإختياره جميل لحمل البندقية القناصة.. وهو يعلم أنه غير مدرب على إستخدامها.. وهاهو
فى إنتظار توقيع عقوبة عليه من قائده.. كما فعل هو مع جميل.. وفى الحال.. لا يجد
أمامه سوى تنفيذ الأمر واصطحاب جميل إلى قيادة الفرقة.. وهناك.. بدا وجه قائد
الفرقة جامداً كالصخر.. لا يُعبر عن شىء محدد.. غبر نقليب نظراته النارية بين قائد
الفصيلة والجندى جميل .. ثم يسأل:
“أين
رامى القناصة؟”
يجيب قائد الفصيلة :
“فى
دورة تدريبية يا أفندم”
يقول قائد الفرقة:
“إذن..
من الذى أصاب قائد العدو؟”
يجيب جميل:
“أنا
يا أفندم”
يقول قائد الفرقة:
“من
أنت؟”
يجيب قائد الفصيلة:
“إنه
القناص البديل يا أفندم”
يقول قائد الفرقة:
“برافو
عليك يا جميل.. لقد إقتنصت شخصية هامة جداً فى الجيش الإسرائيلى”
تعلو البسمة وجه جميل.. ويروح يقلب وجهه
بين قائد الفرقة وقائد الفصيلة فى فرحة غامرة.. قبل أن يواصل قائد الفرقة حديثه:
“تم
ترقيتك أيها الجندى جميل إلى درجة الرقيب”
يعود جميل -سعيداً- إلى الموقع.. مع قائد
الفصيلة.. الذى يبادر بجمع الأفراد-كلهم- فى صورة طابور.. ثم يعلن عليهم قرار قائد
الفرقة.. وسط دهشة وإعجاب وخشية الجميع…
ثم يواصل قائد الفصيلة:
“نعم..
الحماسة مطلوبة فى قتال العدو.. ولكن مرفوضة.. إن كانت دون حذر.. أوتخطيط مدروس...
ثم ينظر إلى الرقيب جميل قائلاً:
“حتى وإن عادت على صاحبها بفائدة ما.. أليس كذلك يا رقيب جميل”؟!
يمد الرقيب جميل ذراعه أمام جبهته.. ثم يدق
الأرض بكعب حذائه.. وهو يصيح:
“تمام يا فندم”
إنتهت
القاهرة
15/7/2010م