أصل القطار… قدح من الشاي


 أصل
القطار… قدح من الشاي

           

 

إن كثيراً من المخنرعات العلمية التي ننتفع بها اليوم.. كان
سبب إختراعها شيئاً تافهاً. لولا دقة الملاحظة وحُسن الإنتباه.. لما إلتفت إليه
أحد.. فعودوا أنفسكم يا أصدقائي دقة الملاحظة وحُسن الإنتباه.. فقد تصيرون بذلك
غداً من المخترعين العظام!.

 

 

 

      كان (جيمس وات) صبياً في السادسة من عمره..
يعيش في إحدى مدن بريطانبا الشمالية.. وكان ضعيف البدن.. معتلاً.. لا يقوى على
الحركة.. ولا يستطيع مشاركة الأولاد في ألعابهم وحركاتهم العنيفة!.

       وكان أبوه نجاراً فقيراً.. قد إتخذ له
دكاناً صغيراً.. يشتغل فيه ببعض أعمال النجارة.. فكان جيمس يجلس بالقرب من دكان
أبيه.. يلعب ببعض قطع الخشب والمعدن.. ويصنع منها لُعباُ صغيرة.. وكان أبوه مع
فقره.. يشتري له بعض الكتب المسلية.. ليقرأها وهو جالس بجانب الدكان.. فيستغني
بقراءتها عن اللعب.. وبهذا تعود جيمس القراءة.. كما تعود إستخدام يديه في صنع بعض
المركبات الخشبية.. أو المعدنية الصغيرة.. وبهذا وذاك.. إكتسب دقة الملاحظة.. وحسن
الإنتباه.. وحب البحث.

      وذات يوم وقف جيمس في المطبخ.. يشاهد عمته
وهي تصنع لأبيه قدحاً من الشاي.. فلاحظ بخار الماء وهو يتصاعد من الإبريق على
النار.. ورأى بعضه وهو يخرج من بُزْبُز الإبريق بسهولة.. وبعضه يتصاعد من تحت
الغطاء.. فيهز الغطاء حين صعوده.. وخطر لجيمس في تلك اللحظة خاطر.. فحاول أن يسد
بُزْبُز الإبريق بقطعة صغيرة من الخشب.. فإذا البخار يصعد كله من أعلى الوعاء..
ويدفع الغطاء دفعاً شديداً في أثناء صعوده..

      وكانت هذه التجربة الصغيرة.. سبباً لإيمان
جيمس وات منذ طفولته بقوة البخار.. وقدرته حين يحبس على أن يدفع ما أمامه من
العوائق.. لكي يخرج من محبسه..

      ومشت سنوات.. وضعف والد جيمس عن العمل..
وقلًَّ ماله.. فأغلق مصنعه الصغير.. واضطره ذلك إلى التفكير في شأن ولده.. فألحقه
بمصنع من مصانع الآلات.. يعمل فيه بأجر قليل.. ولكن جيمس لم يلبث أن تقدم في
عمله.. ومهر في صناعته.. لأنه لم يكن يكتفي بالتدريب العملي في المصنع نهاراً.. بل
كان يقرأ في أوقات فراغه.. كل ما يصل إلى يده من الكتب.. فاكتسب بذلك خبرة علمية
وعملية.. وأحبه أصحاب الأعمال واحترموه.. لأنه صانع ماهر.. ذو عقل وخبرة وفهم..
وقد تعرف -في أثناء ذلك- إلى بعض أساتذة الجامعة.. فاستخدموه لإصلاح ما يحتاج إلى
الإصلاح من أدوات الجامعة.. للأساتذة وللطلاب.. وبذلك إكنسب صداقات جديدة.. وخبرة
جديدة..

      وكان دءوباً على العمل.. لا يكاد يمل أو
يعتذر.. حتى إن أحد الأساتذة دفع إليه -ذات يوم- آلة موسيقية تالفة.. وطلب إليه أن
يحاول إصلاحها.. ولم يكن لجيمس عهد بمثل هذه الآلة من قبل.. ولكنه لم يعتذر.. وأخذ
يبذل كل محاولة ممكنة ليصلحها.. حتى نجح فيما أراد.. وصار خبيراً بالآلة وكل جزء
من أجزائها..

      ولكن جيمس وات -مع كل ما مر به من التجارب
العملية في حياته- لم ينس المنظر الذي رآه بالمطبخ في طفولته.. حين كانت عمته تصنع
قدح الشاي لأبيه.. فكان دائم التفكير في البخار.. وقوته.. وقدرته على الدفع
والتحريك..

      وكان بعض العلماء -في ذلك الوقت- قد
إستخدموا البخار في إنشاء آلة رافعة.. ترفع الماء من بطون المناجم إلى سطح الأرض..
ولكن هذه الآلة لم تكن تؤدي عملها بإتقان..

      وكان الذين يديرونها يتعرضون لأخطار
شديدة.. فأخذ جيمس وات يدرس هذه الآلة العاجزة.. الخطرة.. ويحاول تحسينها..
والإنتفاع بها على وجه أكمل.. ثم أخذ يتدرج من تجربة إلى تجربة حتى إستطاع أن
يسيطر على البخار.. ويستخدمه –بلا خطر- في منافع جمة.. وبذلك تمت جميع الوسائل
اللازمة لإختراع القطار.. وكثير من الآلات الحديثة التي تسير بقوة البخار.. وكان
الفضل في ذلك كله لجيمس وات.. الذي إستطاع بملاحظة إبريق الشاي على النار.. أن يصل
إلى كل تلك النتائج العظيمة التي نتمتع بثمرتها اليوم.

 

تمت

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top