داء ودواء


داء ودواء

 

(قصة التطعيم
والأمصال الواقية)!

 

 

     
قال الأب لولده:

“تعال يا بُنيّ نذهب إلى الطبيب
ليطعمنا ضد الجدري، فإنه داء منتشر في هذه الأيام”

     
قال الولد:

“وهل يمنع التطعيم المرض عنا يا
أبي؟”

      قال الأب:

– تعم يا بُنيّ، لأن التطعيم يمنح الجسم
حصانة ضد المرض، فيحميه من العدوى”

     
قال الولد:

“وما هو التطعيم يا أبي؟ هل هو دواء
يضعه الطبيب في الجسم، فيخاف منه المرض ويهرب؟”

      فضحك الأب وقال:

“بل هو داء يضعه الطبيب في الجسم
السليم فيتلوث به الدم، ويسري في العروق، فيتعوده الجسم، فلا يمرض الإنسان بعدها
بهذا الداء”

     
قال الولد:

“عجباً، أيداوينا
الطبيب من الداء بالداء؟”

     
قال الوالد:

“لا تعجب، فهذه
هي الحقيقة، فاستمع إلي يا بُنيّ، أقص عليك قصة التطعيم، كيف بدأت؟ وكيف صارت
وقاية من الأمراض العامة…

     
أخذ الأب نفس عميق، ثم قال:

“منذ عهد غير بعيد.. كان في فرنسا عالم
كبير.. إسمه باستير…”

     
قال الولد:

“أعرفه، إنه معلم الأطباء، الذي
اكتشف الجراثيم”

     
قال الأب:

“نعم.. هو ذاك..
لقد اكتشف الجراثيم كما علمت، وعرف أنها هي التي تحدث التخمير في اللبن، والحموضة
في الأطعمة، والنَّتن في اللحم، وهي التي تسبب المرض في جسم الإنسان والحيوان،
فلما وصل بتجاربه إلى هذه الحقيقة، أراد أن يخترع طريقة يبطل بها عمل جراثيم
الأمراض، فما زال يحاول تجارب مختلفة، حتى وصل إلى حقيقة أخرى، هي أن الجسم إذا
أصيب بمرض من الأمراض المُعدية ثم برىء منه، إكتسب مناعة ضد ذلك المرض مدة من
الزمن، فلا تؤثر فيه الجراثيم، ولا تمرضه، وعلى ضوء هذه الحقيقة، أخذ يحاول تجارب
أخرى، ليمنح الجسم هذه المناعة، من غير أن يمرض، فاهتدى إلى أنه من الممكن تلويث
الجسم السليم بجرثومة ضعيفة لمرض من الأمراض، فيكتسب المناعة ضد ذلك المرض، ثم أراد
أن يجرب هذا في إنسان من الناس.. فلم يتيسر له ذلك.. فمن من الناس يقبل أن يتعرض
للخطر بمثل هذه التجربة؟!!

      وعلى ذلك، ظل
باستير صابراً، يتحين الفرصة الملائمة ليجرب تجربته، وذات يوم، كان جالساً في
داره، إذ دقت عليه الباب أُم بائسة، ومعها ولدها الصغير، وكان كلب أكلب (أي مسعور)
قد عضه، أربع عشرة عضة، في أجزاء متفرقة من جسمه، فأسرعت إلى باستير ترجوه أن
يحاول علاجه.

      وكان من المعلوم
-حتى ذلك الوقت- أن عضة الكلب الأكلب، لا علاج لها، فلا حيلة للمعضوض حتى يموت،
بعد وقت قصير، أو بعد وقت طويل…

      فلما جاءت هذه
الأم إلى (باستير) بولدها المعضوض، رأى الفرصة سانحة ليحاول تجربته، فيحارب حرثومة
المرض بجرثومة مثلها، ولكن (باستير) -مع ذلك- لم يقدم على التجربة، إلا بعد أن
إستشار طبيباً كبيراً من أصدقائه، فقال له صديقه الطبيب:

“هذه هي فرصتك الوحيدة لتجرب طريقتك في علاج الداء بالداء،
ثم وعده بأن بساعده في التجربة حتى تظهر نتائجها”

      وفي مساء ذلك
اليوم، كان (باستير) قد حضَّر بعض جراثيم ضعيفة من جراثيم داء الكلب، فحقن بها
الطبيب الطفل، ثم أخذ يحقنه -بعد ذلك- كل يوم بمقدار من الجراثيم أقوى من سابقتها،
واستمر على ذلك أياماً، فذهبت أثار السُّعار من الطفل المعضوض، ونجا من دائه…

      وكانت هذه التجربة
برهاناً كافياً للإقناع بأن تطعيم الجسم بجرثومة مرض من الأمراض، تسبب حماية الجسم
من ذلك المرض، فآمن الأطباء –جميعاً- بهذه الحقيقة، واجتهدوا في تحضير جراثيم
الأمراض المختلفة في معاملهم، ثم حفظها بعد ذلك في أوعية وأنابيب، ليحقنوا بها
المرضى فيبرءوا من مرضهم، كما يحقنون بها الأصحاء فيأمنون شر العدوى…

      ومنذ ذلك التاريخ،
تهتم الحكومات بتطعيم الناس ضد الأمراض المعدية كي تمنعها من الإنتشار”.

 

تمت

القاهرة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top