ثوب الفراشات

كانت (عنود) فتاة صغيرة تسكن الصحراء، وتعيش
مع جدتها بعد أن مات أبواها في الحرب، ومع كل طلعة شمس، تخرج من خيمتها لرعاية
الأغنام، وهى تلبس ثوبًًاً مطرزاً بالرسوم والألوان البديعة، تتهافت الفراشات على
الوقوف عليه؛ وكان الناس يتعجبون من هذا الثوب الجميل؛ ويحسدون صاحبته؛ حتى أن
بعضهم قال (ما أغبى الفراشات، ألم تجد غير هذه البنت السمراء راعية الغنم لتقف على
ثوبها؟). وقال آخرون ‏(هذا سحر، الفتاة تعيش وحيدةً مع جدتها، ولابُد أنَّ الجدةَ
صنعتْ لها هذا الثوب المسحور).

وقال رجُل أصلع، وهو ينظر حزيناً إلى رأسه
في المرآة (آه لو أن الفراشات تترك ثوب هذه البنت وتغطي صلعتي).

وفي يوم من ذات الأيام، وقف أحد جنود
المراقبة على قمة الجبل ليراقب السماء بمنظاره المقرب، كي يتأكد أن السماء خالية
من أى طائرات للعدو، وبلا قصد منه مال المنظار من يده نحو الأرض؛ فلمح ثوب الفراشات
البديع، فارتاب فى أمره، وأمر صاحبته؛ وراح يُخبر قائده؛ فنظُر قائد الجنود في
المنظار بسرعة، فرأى ثوب الفراشات؛ فقرر النزول من قمة الجبل، وما إن وصل إلى
الفتاة السمراء راعية الغنم؛ وهى تجلس مع أغنامها بجوار أشجار النخيل؛ حتى سألها
عن سر ثوبها وفراشاته الجميلة، وإلا اعتبرها جاسوسة للعدو؛ أعطاها هذا الثوب كى
يُصاب جنود المراقبة بالسحر، فيمتنعوا عن القيام بواجبهم، وبدلاً من مراقبة الجو،
يقومون بمراقبة ثوبها، والفراشات التى تتراقص عليه. 

وفي الحال؛ وقفت (عنود) بشجاعة أمام قائد
الجنود؛ وقالت له: لا.. أنا لست جاسوسه للعدو.. أنا مثل أبائي وأجدادي أحب وطني؛
وأدافع عنه.

ثم التقطت (عنود) بلطف إحدى الفراشات من
جناحيها، ورفعتها عن الثوب، فظهر تحتها زهرةٌ رائعة الجمال، خطفت بصر قائد الجنود
وعقله، فقال لها وهو في حالة ذهول:‏ أتقصدين أن هذه الزهرة من تطريز يديك
الصغيرتين، وأن الفراشة كانت تتشبث بالزهرة لشدة جمالها؟.

أجابت (عنود) بثقة: نعم. 

فقال قائد الجنود: غير معقول، أنتِ لا تزيدين
عن فتاة في الرابعة عشر من عمرك.

فأخبرت (عنود) قائد الجنود؛ أنها تعلمت
التطريز من جدتها عندما كانت أقصر من شتلة الورد.

فعقب قائد الجنود على كلام (عنود) وقال: لا..
لن أصدقك حتى أختبرك.

 فقالت (عنود): بكل سرور أيها القائد.. ولكن.. ما
هو اختبارك يا سيدي؟.

فأجاب قائد الجنود قائلاً: إسمعي، بعد عدة شهور،
يأتي عيد تحرير الأرض من العدو، أُريدك أن تطرزى لي ثوباً تقف الفراشات على
أزهاره، لألبسه في تلك المناسبة الوطنية السعيدة، وسوف أراقبك من مكاني على قمة
الجبل؛ وأنت تقومين بعملك. 

 فقالت (عنود): سمعاً وطاعة يا سيدي، وأنا مستعدة
أن أعطي خبرتي لبنات وطني .

 وبالفعل، قامت (عنود) كل صباح بالجلوس مع
أغنامها تحت أشجار النخيل، إلى أن انتهت من تطريز ثوب قائد الجنود، وحين حان موعد
عيد النصر، أقامت القبيلة احتفالاً كبيراً، رقصت فيه الخيول والجمال على أنغام
المزمار، دعوا إليه قائد الجنود، وهو يلبس ثوباً مطرزاً بالزهور تقف الفراشات عليها،
فتضاعف الفرح والسرور، وعرف من لم يعرف سر ثوب الفراشات؛ فهتف الجميع لبراعة
(عنود)، كما هتفوا لعيد النصر.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *