يتسرب
إعياء إلى السماء. يفقد النهار بريقه. أستل من الحقيبة خنجري.

على
مقربة عدة زواحف بأشكال وألوان غامضة، يرتج لها جسدي. قرص عين الشمس في لون الدم المحتقن،
يموت كشأنه كل مساء، ولكنه سيد الكون، العائد في الصباح كي يحيي روح الحياة، فتتبعه
أرواح من سبقوني إلى هنا من ضباط وجنود المحروسة، في رحلة بلا عودة، أو بعودة، والوحدة
في صحاري سيناء أشد قساوة منها في أي مكان آخر من العالم، فشواطئ الصحراء الصخرية هنا
ترتفع مئات الكيلو مترات عن الغرب الأخضر، مشكلة حواجز قاسية، لا خضار فيها، فهنا تفتح
أبواب سيناء، أو مملكة الموت البيضاء التي ترقد عندها رفات آلاف الضباط والجنود من
كل الأمصار، الذين دُفنُوا على مر العصور قرب كثبانها الجامدة، في كهوفها التي تشبه
أعشاش محفورة في قلب العالم الإلهي، فهنا تملأ مداخل القبور، المزينة بعناية، كل زوايا
المدقات الرملية المستقيمة والمتعرجة، الواسعة والضيقة، التي لا حياة فيها. وقبل رحيلي:
حملت حقيبتي فوق كاهلي وجئت، أقرأتكم سلامي المُعتاد في سكينة، وكنت قد تعبت من طوافي
البعيد في القرية والمدينه، أقرأتكم سلامي المُعتاد في هدوء، وكنت قد حملت في شعوري
البرئ، آمالي الأسيره.

أمسح
عرقي بمنديلي الميري الذي ضاع زهاء لونه إلى الأبد.

مروحية
عسكرية تمرق كالجرادة، ضغط هواء يحدثه مرورها السريع، أراها ترتفع في خط منحني إلى
مركز الكون، تغير اتجاهها، تهوي، كأن الطيار قد فقد كل سيطرة عليها.

أمسك
أنفاسي. تستقيم الطائرة، تطير في اتجاه معاكس، يختفي صوتها، تبعث في نفسي ونس لا يمت
إلى زمن. بصري يروح ويجئ كهوائي رادار، أتوقع ظهور الطائرة فجأة، ولكن، يخيب أملي.

أتناول
ساندوتشات الفول والباذنجان المقلي. أشعل سيجارة. ليل ثقيل، ساحق كالمصيبة، يلمس اللحم،
يترك أثاراً على الجماد والأشياء، ظلامه حجاره، يبعث في الروح الضيق. الكآبة. الآلم.
الخوف، ولكن، لا بيوت عالية تخنق الزمن. لا مدقات ترابية أتوه فيها. لا عربات يقودها
جن داعر.

أعلق حقيبتي على كتفي. أدلف تحت ضوء كشافي إلى مدق
رملي يمتد كالصراط. أهمس بحكمة جدتي المُنقذة، ومن بعدها أمي، كلما عَنَّ لهما أمر
طال انتظاره: جبال الكحل تفنيها المراود.


من أجواء روايتي “عودة الموتى”

By عزت حجازي

أديب وشاعر غنائي وكاتب للأطفال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *