close
رواية

بعد بيتنا ببيتين

أجابت أمي: لا، هي قريبه للمخيم الفلسطيني. ولكني عقبت بغضب: الله ياخُد الغوله، أكيد عم تقصف المخيم. وفي تلك الأثناء. دوى صوت انفجار ثالث، فركضنا هذه المرة مُسرعين ومعنا أم فوزي وزوجها وإبنتهما نهله إلى ملجأ تحت الأرض، بعد بيتنا ببيتين. وقد كان الملجأ يستخدم كمنشر لنشر الخشب، قبل أن يهجره صاحبه وأسرته إلى خارج لبنان فور اندلاع الحرب الأهلية. وفي الملجأ. هتفت جارتنا نهديه على أمي “قلت لك من قبل تناموا بالملجأ، وما تطلعوا البيت، هنا أما”.
كانت جارتنا نهديه عقيم لا تنجب، وتؤنس وحدتها هى وزوجها القطة بثينه. وكانت تلك الجارة تحبنا حباً جما، بخاصة أنا، رغم مشاغباتي لها في أحيان كثيرة، عندما كنت أقوم كمثال باعتلاء السياج الحجري العريض المرتفع والممتد أمام شرفة مسكنها بالدور الثاني في طريقي إلى قبة زاوية الصلاة القريبة لأقوم باعتلائها وسط صراخ نهديه خوفاً وفزعاً من سقوطي، فأضحك وأبرز لها لساني ولا أعود إلا بعد أن تعدني بشئ من الحلوى، أو تهددني بالنداء على أمي لتعاين شقاوتي، وغالباً كانت تختار الثانية غير المُكلفه
لم نكن نعد نهديه جارة لنا، بل خاله. بعدما اعتبرتها أمي أخت لها، ولهذا السبب. كنا نناديها خالتو نهديه. ومن الأمور الطريفة التي كانت تصدر عن نهديه، أنها كانت من وقت لآخر، تنادي على زوجها قائلة “ما تنسى يا محمود تجيب اللحمه لبثينه”.
كانت نهديه تهتم بالقطة بثينة، وكأنها طفلتها، تماماً كاهتمامي الآن ببغبغائي كوكو. وكنت حينها أستغرب بشدة عندما أجدها في أثناء عودتها من سوق الخضار تحدث قطتها وهى تلعب بالزروب وتقول لها “فوتي يا بثينه ع البيت”. ومن الغريب أن القطة كانت تمتثل، وتطأطئ رأسها وتموء ثم تسبقها إلى داخل البيت وذيلها يرقص خلفها.
كنت أنظر إلى نهديه من شرفة بيتنا المطلة على البستان وخلف زاوية الصلاة وغرفة نعمان القائم على رعاية بستاننا، إضافة إلى حراستة هو وكلبه لولي مخزن مواد البناء الملاصق لسياج زاوية الصلاة الحجري. وكانت نهديه أول من يركض من الجيران إلى ملجأ المنشر، وفي ذيل جلبابها زوجها.. يحدث ذلك فور سماعهم لأصوات الإطلاقات، ونهديه تحمل بيدها الشموع، وعلى صدرها بثينه، ثم تفرد فرشة بركن من الملجأ، تجلس عليها بجوار زوجها، واضعة عليها حرام، وعلى حجرها قطتها.

 

من أجواء روايتي القادمة “بحر العيد” وتدور احداثها في دولة لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى