فى مُنتصف الليل ، سمع القمر أنيناً ، فتلفَّت
حوله .. لم ير إلا كوكب الزُّهرة، وكان أقرب الكواكب إليه ، يحمِل فى يده شمعة ..
سألهُ القمر :
– هل
أنت من يئن يا أخى كوكب الزُّهرة ؟
قال كوكب الزهرة :
– لا .. لم يصدُر منى
أى أنين ، يا عزيزى القمر .. لماذا تسألنى؟
فقالَ القمر :
– مُنذ لحظة ، سمعت
صوتاً ، كالذى يصدُّر من مريض يتألم ، لابُد أن سيدتى ( الأرض ) ، هى من يتألم ،
فليس هُناك كواكب أُخرى ، أقرب من سواكُمَا .
إتجه القمر إلى الأرض :
– هل أنت من يئن ، يا
سيدتى ( الأرض ) ؟
فقالت الأرض :
– نعم .. البشر
يشعلونها ناراً ، فى جسدى الآن .. تصور ..؟!
فقال القمر مُندهِشاً :
– ماذا ؟ .. حين رأيت
هذه النيران المشتعلة عندك ، ظننتك توقدين شموعاً ، إحتفالاً بعِيد ميلادك ،
وبلوغك العام الخمسة مليار ..!
– شُكراً يا عزيزى
القمر ، لأنك تذكرت بلوغى العام الخمسة مليار .. لكن لو كنت أحتفل به ، لدعوتك ،
إلى هذا الإحتفال، لكننى لا أحتفل .. بل أحترق ..!
أثناء هذا الحديث ، ظهرت عن بُعد ، أضواء
تبرُقُ ، ويبدو أنها تقترب ، شيئاً فشيئاً ، ثم إتضح أنها أضواء شموع ، يحملها
إخوة الأرض من الكواكب ..كان كوكب الزهرة ، فى مُقدمتهم ، يحمل فى يده أكبر شمعة ،
ومن ورائه كوكب المريخ، فكوكب المشترى ، فكوكب زُحَلْ ، فكوكب أُورانوس ، فكوكب
نبتون ، فكوكب بلوتو !
ظهر موكبهم ساطعاً متوهجاً ومهيباً ، فى
السماء ، جاءوا مُشتركين فى عيد ميلاد أُختهم ، كوكب الأرض ، لكن الأرض بدت لهم
غاضبة ، على غير توقُع ، بل وتبكى بحُرقة ، وقالت لهم:
– أشكركم على وفائكم ،
واحتفالكم بى .. لكن من قال لكُم، أنى أحتفل بعيد ميلادى ؟
فقال كوكب عُطارد :
– شاهدنا نيراناً ، مُشتعلة
عندك ، تتصاعد ، فظنناها شموعاً ، توقدينها إحتفالاً ببلوغك العام خمسة مليار ..
فقالت الأرض :
– ما شهدتموه ، ليس
شموعاً ، بل هى نيران أشعلها ، سُكانى من البشر ، على جسمى ..!
فقال عُطارد :
– لابُد أن هؤلاء
البشر ، أرادوا الإحتفال بك بطريقتهم !
فقالت الأرض :
– البشر لا يحتفلون
بعيد ميلادى ، بل يجهلون العذاب ، الذى يصيبهم ويصيبنى ، إن عيد ميلادى الحقيقى ،
هو اليوم الذى يطهرون فيه جسمى ، وسمائى ، من سموم مصانعهم ، ومُخلفَات نفضهم ،
ونفاياتهم ، ودُخانهم ! ونيران حروبهم!
فسأل القمر الأرض ، مُندهشاً :
– أكُل هذا يحدُّث لك
، يا سيدتى الأرض ؟ ونحنُ لا ندرى ؟!
– لَما لم تطلبى عوناً منا ، أو من أُمنا الشمس ..
أليست الشمس مسئولة عنا ، أليست هى أمنا ؟
فقالت الأرض :
– وماذا يُمكنك أن
تفعل ، يا عزيزى القمر ؟ أو يفعل غيرك من إخواننا من المجموعة الشمسية ؟ ألا تعلم
أنه يبعدُك عنى ، أربعمائة ألف كيلو متر ؟ ثم ماذا تفعل أمنا الشمس ؟ .. وهى تبعد
عنى مسافة ( 149 ) مليون كيلو متر ؟
فقال القمر :
– يُمكننى عمل شىء
طبعاً .. بإمكانى رفع مياه البحار ، على سطحك ، بمقدار متر كامل ، أو أكثر .. وهو
ما يسمونه (المد).
فقالت الأرض :
– نعم .. أعلم أنك
تستطيع ، يا عزيزى القمر ، واعلم أن لديك
قوة هذا المد والجزر ، ولك جاذبية ، تؤثر فى مياه البحار والمحيطات .. لكن أية
نيران ، تستطيع أنت إطفاءها ؟!..نيران بترولهم .. أم نيران فحمهم .. أم نيران مُخلفاتهم،
فى أريافهم ومُدنهم ، أو نيران حروبهم ،
بعضهم لبعض ..كذلك لا تستطيع ، يا عزيزى القمر ، إخماد ما يشتعل داخل مصانعهم ، أو
داخل مُحركات سياراتهم ، التى تتكاثر ، يوماً بعد يوم بجنون.. مما يزيد من تلويثها
لأجوائى ، وقتلها لكائناتى الحيَّة ، على سطحى ، وفى داخل مياهى العذبة فى الأنهار،
وغير العذبة فى البحار ..!
ثم أنا أخاف ، يا عزيزى القمر ، إذا ما
إرتفع ماء مُحيطاتى، بتأثير مدَّك ، وجاذبيتك ، أن تحدث خطر الفيضان على سطحى ،
محل خطر النيران ..!
فقال القمر :
– فى هذه الحال ، نطلب
من أُمنا الشمس ، أن تتدخل ، فلا ترسل أشعتها ، إلا بمقدار قليل ، محسوب ، فلا
تذيب الثلوج ، فى القطبين ، الشمالى والجنوبى ، عندئذ لايرتفع المد ، ولا يحدث
الفيضان .
فقالت الأرض ، بلهجةِ عِتاب :
– لقد بدأ الذوبان
الجليدى ، يحدث فعلا .. فلماذا لا تبادر أمنا الشمس ، بعمل ما ، من تلقاء نفسها ..
أو ترحَمنى ؟ أليس بها ضوء تستطيع به أن ترى ؟! ألست أنا أحد الكواكب الثلاثة ،
الأقرب إليها ؟ .. من بين أبنائها الكواكب ، الأحد عشر ؟!
ثم راحت الأرض ، توجه عتابها للقمر أيضاً :
– وأنت يا عزيزى القمر
، ألا تخفف قليلاً من تأثيرك الفضى على سُكانى
، من البشر ؟ ..
هؤلاء الذين يضطربون من شدة ضيائك الليلى ،
خاصة عند إكنمالك بدراً .. ألا تعلم ، أنك تجعلهم عُرضة للتقلُبات، والتوترات ،
والنزيف الدموى ، بهذا الضياء الفضى ، أثناء إجرائهم للعمليات الجراحية ، داخل
المستشفيات ؟! .. ألا تعلم أن هذا يحدث دون أن يعلم به الكثير ، من البشر أنفسهم ؟
فأسرع
القمر ، يدافع عن نفسه :
– معقول يحدُّث هذا
منى ، يا سيدتى الأرض ؟!.. هل لدىَّ من قوة جاذبية ، ما يفعل هذا بسُكانك من البشر
، كل هذا الفعل؟! .. ثم كيف تكون لى قوة جذب، وأنت نفسك ، تتفوقين علىّْ فى قوة
الجاذبية بمقدار ( 5012 ) مرة ؟!
فقالت الأرض :
– أنت لك سِحرُكْ ..
يا عزيزى القمر ، أنسيت ما قيل فيك من شِعر ، وغزَل على لِسان الشُّعراء البشر ؟
.. وهل نسيت أنهم يتسابقون ، فى صُنع السُّفُن الفضائية ، للوصول إليك ؟!
فقال القمر ضاحكاً :
– خدعهم ضيائى .. يا
سيدتى الأرض .. ! مع أن وجهى الحقيقى ، ليس إلا مُجرد رِمال وصخور ، عاكسة لضياء أُمنا
الشمس ..!
فقالت الأرض :
– أشعر بأنك تريد
الغروب الآن ، وتختفى خلف ظهرى ، هيا إلى النوم ، وأرى إخوتى الكواكب فى مجموعتنا
الشمسية ، وقد أوشكت الشموع ، أن تنطفىء فى أيديهم ، وقد حَلَّ بهم التعب، وهاجمهم
النعاس ..! هيا إلى مضاجعكم .., شُكراً لكم..
فقال القمر :
– عفواً .. سيدتى
الأرض .. وماذا عن هذه النيران ، المشتعلة فى جسمك الآن .. والدخان الكثيف المتصاعد
منها فى الأجواء؟
فقالت
الأرض :
–
لا تقلق ، يا عزيزى القمر .. عندما يبدأ هؤلاء الناس بالإختناق ، من جراء
هذا الدخان .. ومن هذا العبث المجنون!.. سوف يتحرك عقلاؤهم .. ويعثرون حتماً ، على
حل لمُشكلتى.. تصبحون جميعاً ، على خير ..!
–
إنتهت