
ورقة براك: هل تقايض واشنطن سلاح حزب الله بمستقبل لبنان؟
لعل الورقة التي قدمها رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق إيهود باراك، والتي تُعرف باسم “ورقة براك”، تمثل إحدى النقاط المعقدة في الحوار حول مستقبل لبنان وعلاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع الشرق الأوسط بشكل عام. هذه الورقة، التي تتعلق بخطة سلام شاملة، أثارت تساؤلات عديدة حول إمكانية التوصل إلى اتفاق يفضي إلى نزع سلاح حزب الله مقابل التقدم في مسألة الإصلاحات السياسية والاقتصادية في لبنان.
في البداية، تجدر الإشارة إلى أن حزب الله، الذي يعتبره البعض حزباً وطنياً بينما يرى فيه آخرون منظمة إرهابية، يمتلك تأثيراً واسعاً في الحياة السياسية والعسكرية في لبنان. يسيطر الحزب على مناطق واسعة من البلاد ولديه قدرة عسكرية ضخمة، مما يجعله لاعباً رئيسياً في المعادلة الإقليمية. من جهة أخرى، فإن لبنان يعاني من أزمات متعددة تشمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما يجعل الضغط لتحقيق الاستقرار الوطني أمراً ملحاً.
تبعاً لذلك، تطرح فكرة المقايضة بين سلاح حزب الله ومستقبل لبنان تساؤلات حاسمة. من المثير للاهتمام أن تصبح الورقة جسرًا للتفاوض، فبينما تسعى الولايات المتحدة إلى تقليل النفوذ الإيراني في المنطقة، تسعى أيضاً إلى تعزيز استقرار لبنان، مما يخلق نوعاً من التوتر بين الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة ومصالح لبنان.
يعتقد العديد من المراقبين أن الولايات المتحدة ربما تسعى إلى استغلال الظروف الراهنة في لبنان في إطار تحقيق أهدافها، لكنها في الوقت نفسه قد تواجه تعقيدات كبيرة. فعلى سبيل المثال، إذا كانت واشنطن تسعى لوضع حد لنفوذ حزب الله من خلال تقديم حوافز سياسية أو اقتصادية للبنان، فإن هذا لن يخلو من ردود فعل سلبية داخل المجتمع اللبناني، الذي قد يعتبر أن الضغط الخارجي هو سبب من أسباب أزماته.
كما أنه لا يمكن إغفال أن هناك العديد من الأطراف المحلية والإقليمية التي قد تتدخل في هذا السياق. فعلى سبيل المثال، قد تلعب إيران دوراً محورياً في تحصين موقف حزب الله ودعمه، مما يزيد من تعقيد أي عملية تفاوضية من هذا النوع. كذلك، فإن مواقف الدول العربية الأخرى من حزب الله ومن لبنان بشكل عام قد تؤثر على مجريات الأحداث.
هناك تساؤل كبير حول مدى جدوى هذا النوع من المقايضات، إذ يميل الكثيرون إلى الاعتقاد بأن نزع سلاح حزب الله سيكون خطوة صعبة بالنظر إلى الدعم الشعبي الكبير الذي يحظى به الحزب داخل العديد من المناطق اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التاريخ يظهر أن استخدام القوة أو الضغط الخارجي لن يؤدي بالضرورة إلى تحقيق الأهداف المرجوة، بل قد يسفر عن نتائج عكسية.
على المستوى الداخلي، يتعين على السياسيين اللبنانيين أن يتجاوزوا الانقسامات الطائفية والسياسية للبحث عن حلول فعالة لأزمات البلاد. إذا استمر الانقسام وكان التركيز منصبًا على الصراعات الداخلية بدلاً من إيجاد أرضية مشتركة، فإن هذا قد يعقد جهود الإصلاح المستدام ويمهد الطريق لمزيد من التدخلات الخارجية.
في الختام، تبقى “ورقة براك” تمثل تحديًا وفرصة في آن واحد. فهي تعكس محاولات مشروعة للتوصل إلى حل يضمن الأمن والاستقرار في لبنان، لكنها تشكل أيضًا مجالًا للخلاف والتحليل. يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستنجح واشنطن في تحقيق أهدافها على حساب استقرار لبنان، أم أن الاجتهاد المحلي سيفرض نفسه ويدعم وحدة البلاد في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية؟ التوقيت والأحداث المقبلة ستكون لهما الكلمة الفصل في ما يتعلق بمستقبل هذا البلد العريق.