الإبن الناجح..!

 

 


     كان (أكرم) 
نلميذاً فى الصف الرابع من المدرسة الإبتدائية…

وكان أبوه موظفاً كبيراً فى الحكومة، له شهرة وجاه وسمعة طيبة فى المدينة…

ولم يكن لأكرم إلا أخ واحد وأخت واحدة، أما الأخ، فكان طالباً فى الجامعة،
وأما الأخت فكانت متزوجة فى بلد بعيد…

وذات يوم عاد (أكرم) من مدرسته، فرأى فى وجه أمه أمارات هم وأثار دموع، وفى
وجه أبيه  علائم تفكير عميق، فحاول أن
يسألهما عن سبب ذلك، ولكنه لم يجد فى نفسه جراءة، فسكت مثلهما مهموماً…

ولحظ
(أكرم) من ذلك اليوم أن أباه قد لزم الدار، لا يغادرها فى الصباح، ولا فى المساء،
كما لحظ أن زواراً كثيرين يفدون إلى الدار، فيخلون بأبيه ساعة أو ساعات يتحدثون
إليه، ويسمعون منه، ثم يفارقونه محزونين، ويتركونه محزوناً دون أن يدرى (أكرم) فيم
كانوا يتحدثون…

ثم
أخذ هؤلاء الزوار يقلون يوماً بعد يوم حتى انقطعوا جميعاً، فلا يطرق أحدهم باب
المنزل، ولكن الحزن ظل مخيماً على أبيه وأمه…

لم
يعرف (أكرم) سبباً لهذه الظواهر الغريبة، ولكنه لزم الصمت قلقاً، حزيناً…

وكان
أخوه الكبير غائباً عن الدار وعن الجامعة، فلما عاد اختلى بأبيه، وأثارت هذه
الخلوة هواجس(أكرم)، وأيقن أن هناك سراً خطيراً…

وفى
الوقت الذى كان فيه الإثنان يتحدثان، كان (أكرم) يتمشى قلقاً بالقرب من غرفتهما،
فسمع الأب يقول لأخيه: تشجع يا بنى ولا تحزن، واجعل كل همك فى الدرس فإننا جميعاً
لا نفكر إلا فى شأنك وفى مستقبلك.

فزادت
هذه الكلمات حيرة (أكرم) وقلقه، وود لو يعرف ماذا حدث، فصار إذا اجتمع بأخيه
وأبويه على المائدة  ينقل نظراته بين
وجوههم فى حيرة لعله يدرك ذلك السر…

وذات
يوم  سأل (أكرم) أمه: مالك يا أمى بادية
الحزن والكآبة؟. ولماذا انقطع أخى عن الكلية، هل حدث شئ؟.

قالت
الأم: لاشئ يا(أكرم) فابزل جهدك فى الدرس، ولا تفكر فى شئ غيره، فليس هذا الذى
تراه على وجوهنا  إلا أثراً من أثار
الإعياء والتعب.

ثم
ربتت كتفه وقبلته، وانصرفت مسرعة إلى المطبخ…

ومضت
أيام طويلة، وكل من فى المنزل على هذه الحال، لا يكادون يبتسمون، ولا يفارق العبوس
وجوههم ثم كان يوم و(أكرم) واقف فى فناء المدرسة يتفرج برؤية اللاعبين من زملائه،
فدفعه أحدهم قائلاً: إبتعد عنا، إن أباك مرفوت من وظيفته، ولا عمل له، فلا تقف
بجانبنا…

فى
تلك اللحظة عرف (أكرم) السر  الذى كان
خافياً، فطأطأ رأسه فى ذلة، ولم تلفظ شفتاه حرفاً، ثم انطلق إلى منزله، والهم يجثم
على صدره…

ولحظت
الأم أمارات الهم فى وجهه، فسألته: ماذا بك يا(أكرم)؟. هل آذاك أحد فى المدرسة؟.

قال:
لا شئ يا أمى، ولكنى علمت اليوم أن أبى مرفوت…

وكان
الأب يسمع ما يدور بين (أكرم) وأمه، فقال له: هل يحزنك هذا يا(أكرم)؟.

قال:
نعم.

قال
الأب: أطلبت شيئاً قلم تجده يا بنى؟.

ال: لا.

قال
الأب: فلماذا يحزنك الأمر؟.  إن كل ذى
وظيفة قد يناله مثل هذا، لسبب أو لغير سبب، فأطرح الحزن ولا تهتم إلا بدرسك، فإننا
نريد أن نراك رجلاً عظيماً.

وصمت
الأب برهة، ثم عاد يقول: إن الأباء يا بنى هم الذين يحملون هم الأبناء، أما
الأبناء فلا يجوز أن يحملون غير هم أنفسهم حتى يكبروا ويرشدوا فيحملون أعباء
الرجال.

غيرت
هذه الكلمات القليلة نفس (أكرم) فصار منذ ذلك اليوم (رجلاً صغيراً)،  كل همه أن يكبر ويرشد ليصير بعد ذلك أهلاً لحمل
أعباء الرجال.

ودهش
معلموه فى المدرسة دهشة كبيرة، إذ صار أنشط تلاميذ المدرسة، وأسبقهم فى الدرس،
وأكثرهم تحصيلاً وفهماً…

ومضت
أشهر، وأدى (أكرم) امتحان الشهادة الإبتدائية، فكان أول الناجحين فى مدرسته، فلما
عرف أبوه ذلك  أقبل عليه مهنئاً، وهو يقول
له: بماذا تريد أن أكافئك يا(أكرم)؟.

قال
أكرم: مكافأتى يا أبى  أن تشترى لى اليوم
كتب المدرسة الثانوية كلها، فإنى أريد أن أدخل امتحان شهادة الثانوية فى هذا العام.

قال
أبوه: هذه همة كبيرة يا(أكرم) وإنى ليسرنى اليوم أن أهنئك تهنئة مضاعفة، إذ كان
نجاحك بشيراً بإنفراج أزمتى،  فقد ظهرت
براءتى مما كان منسوبا إلى  فقررت عودتى
إلى وظيفتى.

طوق
(أكرم) عنق أبيه، وهو يقول مسروراً: أهنئك بعودتك إلى الوظيفة يا أبى.

قال
أبوه: ولكننى لن أعود إليها يا بنى، فقد دعتنى إحدى الشركات الخاصة للعمل بها
بمرتب كبير يبلغ ضعف مرتبى فى الحكومة.

وبعد
سنة واحدة حصل (أكرم) باجتهاده على شهادة الثانوية العامة بتفوق كبير. 

تمت

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top