فرحها الأبيض،
وتأخذ بيدي، ونعود معاً إلى البيت.
كنت قد علمت بسر
المرأتين اللتين أتيتا لخطبتي، فخرجت إلى البستان، واستلقيت على العُشب، وأخذت أنتظر
أن يعاود العصفور ترانيمه، إلا أنه لم يستأنف الغناء، بل حل محله نباح كلب جارتنا أم
فوزي، فنهرته حتى صمت. ولكني تعجبت من رفض أمي لخطبتي، ورحت أفكر “لماذا لا أتزوج
الآن، بالرغم من أن أختي جلنار تزوجت في سن صغير، يكبرني قليلاً، وإبنها الآن على باطها؟.
وما الضير من زواجي وعمري مجرد شتلة ورد، بفارق ثلاث سنوات عن أختي لا غير؟. فلماذا
تحرميني يا أمي من لبس فستان الفرح الأبيض والدبلة الذهب في إصبعي، وأغيظ بذلك رفيقاتي
في المدرسة وفي المكتبة وفي الحارة، لآني تزوجت فبلهن. ولكن على أي حال حصل خير يا
أمي، ولعله خيراَ لي كما قالت عمتو فريال وكله قسم ونصيب كما قالت.”.
ولما دارت الأيام
تذكرت بأن الخير بالفعل كان بصفي، وكان ذاك حالما علمت بنبأ موت ممدوح بعبوة ناسفة
أمام مكتب الزبالة وهو في ريعان شبابه. هذا الشاب اليتيم الذي تكفلت بتربيته خالتيه
اللتين جاءا لخطبتي له في الليلة إياها. وكان هذا هو أول حزن حقيقي أشعر به في حياتي.،
إذ بكيت على ممدوح الذي فقد شبابه، بالرغم من أني لم أره إلا لمرة واحدة ومن بعيد،
وكان ذلك حالما كنت مع أهلي في مشوار لشراء الخضروات من السوق. وقتها أشارت إليه عمتي
فريال.
شباب كثر أتوا
لخطبتي في تلك الفترة من حياتي، وقبيل حجابي، وكان سبب تحجيي معلمة الدين بالمدرسة،
والتي اقتنعت بكلامها عن فائدة الحجاب في نيل مرضاة الله، وصوني من المتطفلين، لعل
الحجاب يردعهم عن التحرش بي.
أذكر مديرة المدرسة
أن قالت لي حين رأتني بالحجاب: لو تحجبت المدرسة كلها ما كنت أتوقع إنك تتحجبي. وكان
عند مديرة المدرسة ألف حق فيما قالت، فلم أكن أخرج للمدرسة إلا بتنورة قصيرة فوق الركبتين،
وبشعر مسترسل. فقد كنت أهوى إظهار مفاتن جسدي للفت أنظار الشباب.
قالت لي جدتي فوزيه
يرحمها الله لما رأتني أضع الحجاب على رأسي وألبس بناطيل: كإنك كبرتي يا بنت عشر سنين.
ففرحت بمقولتها. ربما كان بسبب أن هذا الأمر ربما يقنع أمي بالقبول بأول عريس يتقدم
لي.
كنت أتوق أن أصبح
عروساً وأنجب، أخلف بذلك ظن بنت عم زوجي جلال
حالما راتني مُحجبة. قالت: يا مسكينه، راحت عليك. وكأن الحجاب سيجعل مني عانساً، فلا
أتزوج، ولا أنجب أطفالاً. ويوم كنت ذاهبة مع أخي ماجد، يوصلني لأحضر زفاف غنوه إبنة
الجيران، فرأني صديق لأخي ونظر نحوي. فضربت عيني بعينه، ولم أكلمه، لأتفاجأ به في اليوم
الثاني أمام بيتنا، واقف مع أصحابه، وما إن رآني ذاهبة إلى المدرسة حتى بانت على ملامحه
علامات الإرتباك وأخذ ينظر نحوي ويبتسم. الحقيقة أني لم أعط للشاب اهتماماً وغضيت نظري
ثم اكملت طريقي، وعند عودتي من المدرسه تفاجأت به يوقفني ويسألني: حكتك وفاء بشئ؟.
فأجبت بتلعثم خفيف: عن شو بدها تحكيني؟. ضحك الشاب ثم قال: هى بتحكيك.
من أجواء روايتي “بحر العيد”