رائحة الليل تقترب الآن من غرف المنزل الثلاثة، وملمس الفراش الدافئ،،
وهو يدغدغني على البُعد، هو والأثاث القديم، وصورة أبي الضابط الشهيد على الجدار، مكشوط الطلاء في بعض أجزائه، والمرآة اللامعة حتى الصقل، والراديو الخشبي الصامت منذ زمن بعيد،
وأريكة جدتي القديمة الزرقاء، وعينا أمي التي تتفحصاني الآن، فأقول لها بالصمت (سليمُ
أنا يا أمي، لم أُجرح بعد، لم أمُت. ولكنها تقول: إن هاتفاً لح علىّ مُنذ يومين،
وقال لي أنك ستصل، ومن ساعتها.. لا أنام إلا متأخرة، أترصد خُطاك في الحارة، وفوق
السلم، كما كنت أترصد خطى أبيك الشهيد. “هكذا هى أمي، لم تتغير منذ زمن أبي”..
ثم تضيف: رأيتك في المنام بالأمس، وصرت أُفكر فيما يجب أن تأكله، فرخة مذبوحة من
الجمعية، أو كيلو كبدة وقوانص.). نعم، أمي، هى، هى، حنونة، طيبة، لذا. عندما ألحت
في الإستفسار، ضخمت لها الأمان، نفيت عني الخطر، إختلقت الردود لأطمئنها، وهى تسند
ملاب
سي الداخلية، برائحة القطن الذي لم يخرج من الدولاب مرة.. بنظراتها الجانبية
السريعة، التي يرتعش معها الدم من وريد قلبي، طاوياً بعقلي أقل من مائة وعشرين
ساعة مقبلة، مستقبلاً اللحظة التي أقطع فيها الحارة، أستدير عند المنحنى، ثم أختفي
عن عينيها الدامعتين، وأنا في طريقي إلى نقطه 14 مراقبة، إختفاءً قد يكون أبدياً
هذه المرة.
من أجواء روايتي القادمة “نقطة 14 مراقبة”