وراحت ترفرف بأجنحتها

 

وراحت ترفرف بأجنحتها وذيولها النارية نحو الشرق صارخةً، صرختها لها دوي ألفيّ مدفع، ومائتي طائرة، تزغرد لجموع الجنود، وهم يعبرون القناة في خطوط منتظمة، ثم يعدون في خطوط مرورية مرسومة بدقة، بيدهم أعلام ترفرف، وفوقهم عشرات من طائرات الهليكوبتر تطير برجال الصاعقة إلى عُمق أرض التين والزيتون، وأمامهم مهندسون في موجة أولى، معهُم نوع قوي من مدافع المياه، يقوضون بها الساتر الترأبي. الصورة منضبطة ودقيقة، والسيناريو منطقي وحركي ومحبوك، يسيطر عليه عقل ذكي لماح، ولا يتدخل فيه المونتاج لقطع لقطات، أو لضبط إيقاع، فالإيقاع سريع، أسرع من أخذ النفَس.

أمط عُنقي إلى باخرة عابرة. الأمواج تتقدم وتتراجع، القناة تبدو كما لو كانت تحوي تحدياً خفياً للكون، وآلاف من قروش الضوء، تقيم من جديد حفل راقص من باليه بحيرة البجع. المياه زرقاء فيها يود ورحيل.

أرى بعين مخيلتي أبي وجنوده بحذاء مرسى معدية القناة، أمام عربة خشبية لبيع ساندوتشات فول وطعمية وباذنجان مخلل ومقلي، البائع قادر على خدمة العشرات في وقت واحد، ومن يراه يظُن أن المحروسة تتناول إفطارها، أو غداءها عنده.

يراهن أبي أن وقفة البائع عُمرها ألف سنة، يسأل بمنتهى الجدية جندي بجواره: ألم نعثُر في حفرياتنا مرة على بائع فول؟.

يضحك الجندي، ولا يجيب.

سرسوب هواء بارد من زيق نافذة، يفح بملوحة بحر وطعم يود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top