يكتفي جرجس بهز رأسه،
ولمعة من عينيه، في الوقت الذي يلفني فيه الصمت والبهوت والآلم الذي يعتصر جبهتي. وفي الأثناء،
يتسلل هسيس أحاديث بالمبيت، أميز فيها صوت الضابط “خميس”، وهو يطلب إيقاظ
الصول، فيعقب صوت آخر جهوري، أظنه صوت “عيد: -لحد الله بيننا وبينه، العُمر غالي
يا صاحبي.
ثم يواصل في انفعال لطيف: -إن أردت، إذهب أنت وأيقظه، ورزقي ورزقك على الله.
يدنو المغيب، في حين أتخطى
وجرجس جزء من الدهليز. نعبر من فتحة الجدار الفاصل بين الدهليز وسطح التبة، ثم ننحرف
يساراً. فأتجه أنا إلى وراء التبة، وعلى الحافة، أبصر عدة تباب صغيرة، قصيرة، تشبه
قباب المساجد، وروائح كريهة لمقابر على البُعد، شبه مهدمة، تجثم على الأنف دفعة واحدة،
فتُشعرني بالكآبة والقرف والهوان والخوف المكتوم. وشجيرات تتناثر بين المقابر، تمتلئ
الثغرات بين فروعها بالظلال، فتبدو وكأنها سفن في لجة.
أتراجع إلى الخلف،
كي لا أتقيأ، متذكراً بأن أبي كان قد حدثني عن موقع شبيه، يجاور عدة مقابر، ومن
أجل هذا، لعله كان على ذات التبة، أو في موقع قريب. وفجأة: -أبي كان هنا.
أصيح بها،
فيلتفت زميلي: -هه؟.
فأقول بحماس:
-نعم، أبي الضابط الشهيد كان هنا.
-هنا، هنا؟.
بشبه لعثمة:
-نعم، ربما.
-نعم، أم ربما؟.
-لا أدري.
وآنئذ، يضرب زميلي
كفاً بكف ويقول: -أعصابك يا صديقي.
-ماذا بها؟.
-إمسكها.
أجدها فرصة لتلطيف
الجو: -من أين؟.
فينتبه زميلي
لدعابتي، وقبل أن يغادر إلى الخارج، وهو يضحك بشدة، ويعلق بما توقعت منه: -من وسطها،
إمسكها من وسطها، أو من أي مكان يحلو لك.
من أجواء روايتي القادمة “نقطه 14 مراقبة”