أحالت الأفق الغربي إلى وهج يشتعل باللهب البرتقالي،
وهى ترمي عينيها على أمها الأرض، وكأنها لا تنتظر من الكون سوى الخضوع والإنقياد لها.
فهنا الفضاء، وكأنه قد لمسته عصا سحرية، يوخزه المبني الطفلي للنقطة الثالثة، البادية
من فوق التبة كسنام فوق ظهر جمل بارك في انتظار صاحبه، ورغم بساطة الطبيعة من حوله،
لاحت علاقته بالأشياء شديدة التعقيد. فهل يكون بسبب المشهد ذي البُعد الواحد؟. أم لغياب
الطيور والبشر والحيوانات والنباتات أالأثرً في ذلك؟. ربما، وربما كذلك، هو محيط رغم
هدوئه وبساطته، لا يوحي إلا بعدم الإستقرار. محيط له كآبة خاصة. عزلة مواتية كالجحيم.
عزلة تصل إلى حد الجنون والهوس، ثم الهلاك، والميلاد من جديد. عزلة لها صمت موحش وعميق
الجذور، يفض بكارته، بين حين وحين، زمجرة موتور العربة المنحرفة الأن إلى جهة اليمين،
وقبالة التبة العظمي، وقفت العربة هامدة بجوار خزان المياه الحديدي الذي ألفناه من
قبل، وقوس معدني صدئ لم نر مثله في النقاط السابقة، مغروز بإحكام أمام مدق صخري يصعد
بلولبة، وحِدة مخيفة. وفي تأملي هذا. شاهدت أحد الجنود باسق الجسد، عريض المنكبين،
ينزلق كالممسوس من الشيطان على المدق الصخري الهابط بحدة يقشعر لها البدن، وقد بدا
الجندي بخفة الفهد، ورشاقة النمر، وسرعة الخفاش، كل ذلك، رغم ضخامته. وفي تلك
الأثناء. ترجل الضابط “خميس” والعريف “محمود” من العربة الشاحبة
شحوب مقاتل فقد سلاحه في أحد المعارك.
هبطت بمخلتي وحقيبة الهاندباج وأنا ألهث، في الوقت الذي اقترب فيه جندي نقطة
المراقبة مننا، يصافحنا بألفة بادية، وابتسامة عريضة ودودة.
كان صوت وقامة الجندي يحويان صلابة جذوع النخيل، والوجه مكور، ذي سمرة فاتحة،
وشفتين مكتنزتين، وعينين واسعتين، لهما بريق لا يمت إلى هذا الزمان بصلة، وشارب أسود
رفيع مقوس لأسفل، يلتحم مع ذقن خفيفة بلون الشارب، وعلى رأسه الضخم شعر أسود أجعد قصير.
أما روحه، فراحت تمرح في كون آخر، لم أسبر غوره بعد.
من أجواء روايتي القادمة “نقطة 14 مراقبة”