رغم علمي بأن صحراء “سيناء” متاهة، غير أنني كنت قد عولت عليها
منذ زمن، أن تكون من نصيبي، وفي وحدتي المتأملة تلك، هتفت بي (“أيها الجندي. مد بصرك، وشاهد الرمال). فمددت بصري إلى أبعد نقطة، فدُهشت
عيني، وسكنت، وتاهت من النظر، ومن سفر البصر، فكانت أولى عطايا تلك الصحراء، التي لا
تُحصى كنعم الله، فشكرتها بمودة، وقررت الإنصياع، والإرتماء في حض متاهتها للأبد، تلك المتاهة الخالية من الونس، والتي لم تبدد وحشتها، الخضرة القليلة التي تتشم وجه الأرض، وصفير هبات الريح الفجائية الباردة،
الأتية من الوديان المبطوحة، المدفونة في القاع، والخالية من البشر والعُمران، ومن
أجل هذا. بدا كون صحراء”سيناء” عصياً عن الفهم، مع أنه في متناول الرؤية
والإدراك. وأذكر أنه كان هناك أمير أوروبي، حديث عهد بالإمارة، من يدخل متاهته العظيمة،
لا يخرُج منها إلا مُنهك، وقد قيل له: في الباب أمير عربي. فقال: سنجرب اللعبة عليه.
وضحك. فدخل الأمير العربي المتاهة صباحاً، ولم يخرج منها إلا في منتصف الليل متعباً،
يشعر بالإهانة والتجريح، ولكن، إستقبله الأمير الأوروبي وحياه، وأفسح له في مجلسه،
وسأله عن متاهته. فضحك الأمير العربي وقال: متاهتك جميلة، ولكنها ضيقة ومحدودة. سأريك
متاهتي أنا بعد حين. وغادر الأمير العربي إلى بلاده، وجهز جيشاً كبيراً، وأغار على
مدينة الأمير الأوروبي، وأسره، وأخذه الى حدود تلك الصحراء، وهناك. نزل الأمير العربي
عن حصانه وأعطاه للأمير الأوروبي، وقال له: هذا أسرع حصان، خذه فهو لك، هذه هى متاهتي.
مشيراً إلى صحراء “سيناء”: أنت حُر. وبسرعة ركب الأمير الأوروبي الحصان،
وركض علَّه يهرب. لكن مصيره كان الموت بين تلك الأحجار والصخور الهائلة التي تجلس بأبهة،
مجاورة كثبان رملية ملونة، لم يطأها إنس ولا جان، مرمية، بكرم وإهمال، في كل مكان،
من عالم يغمرنا الأن شمساً وغياماً وصمتاً وصخراً ورمالاً. عالم يبدو بعيداً، وهو قريباً، الرؤية فيه واضحة وغامضة،
والضوء فيه يُنير ويعمي، والوديان والجبال واتباب والتلول فيه، نعبرها بلا حواجز، وبلا
ضفاف، وبلا قطرة ماء، وبلا نطفة خضراء تخصب العين. وكأن الطبيعة التي وهبت “تلك
صحراء “سيناء” كل شئ، قد أخذت منها أيضاً كل شئ. ولكن. ماذا بقى لي غير أن
أنتظر وأنتظر، أتعثر وأتبعتر، وأُدهش من أرض تزاوجت من الغيم والضباب، الذين صارا يمنحاها
لونا ×فضيا غامضاً، إكتشفت فيه
غموض الفض وبهاتته.
منذ زمن، أن تكون من نصيبي، وفي وحدتي المتأملة تلك، هتفت بي (“أيها الجندي. مد بصرك، وشاهد الرمال). فمددت بصري إلى أبعد نقطة، فدُهشت
عيني، وسكنت، وتاهت من النظر، ومن سفر البصر، فكانت أولى عطايا تلك الصحراء، التي لا
تُحصى كنعم الله، فشكرتها بمودة، وقررت الإنصياع، والإرتماء في حض متاهتها للأبد، تلك المتاهة الخالية من الونس، والتي لم تبدد وحشتها، الخضرة القليلة التي تتشم وجه الأرض، وصفير هبات الريح الفجائية الباردة،
الأتية من الوديان المبطوحة، المدفونة في القاع، والخالية من البشر والعُمران، ومن
أجل هذا. بدا كون صحراء”سيناء” عصياً عن الفهم، مع أنه في متناول الرؤية
والإدراك. وأذكر أنه كان هناك أمير أوروبي، حديث عهد بالإمارة، من يدخل متاهته العظيمة،
لا يخرُج منها إلا مُنهك، وقد قيل له: في الباب أمير عربي. فقال: سنجرب اللعبة عليه.
وضحك. فدخل الأمير العربي المتاهة صباحاً، ولم يخرج منها إلا في منتصف الليل متعباً،
يشعر بالإهانة والتجريح، ولكن، إستقبله الأمير الأوروبي وحياه، وأفسح له في مجلسه،
وسأله عن متاهته. فضحك الأمير العربي وقال: متاهتك جميلة، ولكنها ضيقة ومحدودة. سأريك
متاهتي أنا بعد حين. وغادر الأمير العربي إلى بلاده، وجهز جيشاً كبيراً، وأغار على
مدينة الأمير الأوروبي، وأسره، وأخذه الى حدود تلك الصحراء، وهناك. نزل الأمير العربي
عن حصانه وأعطاه للأمير الأوروبي، وقال له: هذا أسرع حصان، خذه فهو لك، هذه هى متاهتي.
مشيراً إلى صحراء “سيناء”: أنت حُر. وبسرعة ركب الأمير الأوروبي الحصان،
وركض علَّه يهرب. لكن مصيره كان الموت بين تلك الأحجار والصخور الهائلة التي تجلس بأبهة،
مجاورة كثبان رملية ملونة، لم يطأها إنس ولا جان، مرمية، بكرم وإهمال، في كل مكان،
من عالم يغمرنا الأن شمساً وغياماً وصمتاً وصخراً ورمالاً. عالم يبدو بعيداً، وهو قريباً، الرؤية فيه واضحة وغامضة،
والضوء فيه يُنير ويعمي، والوديان والجبال واتباب والتلول فيه، نعبرها بلا حواجز، وبلا
ضفاف، وبلا قطرة ماء، وبلا نطفة خضراء تخصب العين. وكأن الطبيعة التي وهبت “تلك
صحراء “سيناء” كل شئ، قد أخذت منها أيضاً كل شئ. ولكن. ماذا بقى لي غير أن
أنتظر وأنتظر، أتعثر وأتبعتر، وأُدهش من أرض تزاوجت من الغيم والضباب، الذين صارا يمنحاها
لونا ×فضيا غامضاً، إكتشفت فيه
غموض الفض وبهاتته.